إلى طلعته لما كان يبلغ القاصي والداني من عدله وحسن سيرته، ولما أحس صاحب دمشق مجير الدين أبق بالغلبة انهزم في خواصه إلى القلعة فأنفذ إليه وأمنه على نفسه وماله فخرج إلى نور الدين فطيب نفسه، ونادى نور الدين بالأمان وخرجت دمشق من أيدي أحفاد الأتابك طغتكين آخر الدهر بعد أن دانت لسلطانهم اثنتين
وخمسين سنة.
والسبب في فتح نور الدين دمشق تغلب الفرنج بناحية دمشق بعد ملكهم عسقلان حتى استعرضوا كل مملوك وجارية بدمشق من النصارى، وأطلقوا قهراً منهم كل من أراد الخلاص، فخشي نور الدين أن يملكوا دمشق، فاستمال أهلها في الباطن ثم حاصرها وفتحها. وفي الكامل أن سبب حرصه على ملكها أن الفرنج لما ملكوا في العام الماضي مدينة عسقلان ولم يكن لنور الدين طريق إلى إزعاجهم عنها لاعتراض دمشق بينه وبين عسقلان، فلما ملك الفرنج عسقلان طمعوا في دمشق. وعلل هذا الفتح سبط ابن الجوزي بما ظهر من مجير الدين من الظلم ومصادرة الدمشقيين وسفك دمائهم وأخذ أموالهم، وقبضه على جماعة من الأعيان واستدعى سيف الدولة بن الصوفي الذي ولاه رئاسة دمشق لما أخرج أخاه وجيه الدولة منها فقتله في القلعة ونهب داره وأحرق دور بني الصوفي ونهب أموالهم. وتكاثرت مكاتباته إلى الفرنج يستنجدهم ويطمعهم في البلاد. وكان مراد نور الدين من أخذ دمشق إنقاذ القدس من الفرنج والساحل وكانت دمشق في طريقه. وطمع الفرنج في مجير الدين وكان قد أعطاهم بانياس، فكانوا يشنون الغارات إلى باب دمشق فيقتلون ويأسرون ويسبون، وكان مجير الدين قد جعل للفرنج كل سنة قطيعة يأخذونها منه، وذل الإسلام وأهله في أيامه، وساءت سيرته وكثر فساده، فكان الأمراء والأعيان بدمشق أصحاب نور الدين يقولون: الغياث الغياث وقالوا: إن شئت حصرناه في القلعة. فرأى نور الدين أخذ مجير الدين باللطف وقال: إن أخذته بالقوة استغاث بالفرنج وأعطاهم البلاد فيكون وهناً عظيماً على الإسلام.
وكان من أشد الأمور على الفرنج أن يأخذ نور الدين دمشق لأنه كان أحرق