وخلت بلادهم من حاميها وثغورهم من حافظها، وسهل أمرهم على المسلمين بعده، وكان
جوسلين كثير الغدر والمكر، لا يقف على يمين ولا يفي بعهد، طالما صالحه نور الدين وهادنه، فإذا أمن جانبه بالعهود والمواثيق نكث وغدر، فلقيه غدره، وحاق به مكره، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله. فلما أُسر تيسر فتح كثير من بلاد الفرنج وقلاعهم. وعني نور الدين بتجهيز ما فتح من الحصون بالميرة والسلاح، وكان كلما فتح حصناً نقل إليه من كل ما تحتاج إليه الحصون خوفاً من نكثة تلحق المسلمين من الفرنج فتكون بلادهم غير محتاجة إلى ما يمنعها من العدو. وكان نور الدين وأبوه إذا فتحا قلعة جعلا فيها من المؤنة والذخائر ما يكفيها عشر سنين.
وأغار هذه السنة فريق وافر من التركمان على ظاهر بيسان فقتلوا من الفرنج وأسروا ولم يفلت منهم غير الوالي ونفر يسير. وقصد الفرنج ناحية البقاع فاستباحوا عدة وافرة من الضياع من رجال ونسوان وشيوخ وأطفال فلحقهم صاحب بعلبك واسترجع منهم بعض ما أخذوا وعادوا على أقبح صفة من الخذلان.