راسل في طلب الصلح على أن يخرج شهاب الدين محمود إليه لوطء بساط ولد السلطان الواصل معه ويخلع عليه ويعيده إلى بلده، فلم يجب إلى ذلك، وتقررت الحال على خروج أخيه تاج الملوك بهرام شاه.
قُتل شمس الملوك باتفاق رأي والدته مع أرباب الدولة في دمشق لما بدا من ظلمه واستصراخه الإفرنج بعد يأسه من معونة عماد الدين زنكي، وكان جده طغتكين مثلاً سائراً في غزوة لهم المرة بعد المرة، ومداراتهم أحياناً بالحيلة، وجمع أمراء الشام على قصدهم أبداً، ومصانعة خلفاء بغداد وخلفاء مصر طلباً لنجدتهم، ولو بالقليل من قوتهم المادية والمعنوية، ولكن ابن ابنه سلك غير طريقته فقتلته أمه ورجال دولته. وكانت هذه الأعمال المنكرة من بعض صغار الملوك الذين لا يحرصون إلا على مصلحتهم الخاصة، وإذا تأثرت أقل تأثر عمدوا إلى وضع أيديهم في أيدي أعدائهم من موجبات بقاء الأفرنج في ثغور الشام وإنطاكية والرُّها وطبرية والناصرة والقدس واستيلائهم على كثير من المعاقل. ولو لم يكن شجر الخلاف بين ملوك الفرنج في هذا الدور لسهل عليهم ملك المدن الأربع دمشق وحماة وحمص وحلب، بالنظر لخلل الدول المستولية عليها واضطرارها إلى قتال أعدائها من المسلمين وأعدائها من الصليبيين، بل وأعدائها في الداخل أمثال شمس الملوك. وللناقد البصير بعد هذا أن يقول إن دولة أتابك طغتكين كانت عزيزة الجانب في أولها فأصبحت ذليلة وعبئاً ثقيلاً على الشام بعد بطنين من مؤسسها.
بعد تقلقل أمر آل طغتكين أخذت روح آل زنكي تسري في القطر، فنهض سوار
نائب زنكي في حلب سنة 530 فيمن انضم إليه من التركمان، وجرد جيشه على الأعمال الفرنجية فاستولى على أكثرها، وغزا اللاذقية وأعمالها بغتة، وعاد من هذه الغزاة إلى شيزر ومعه زيادة عن سبعة آلاف أسير بين رجل وامرأة وصبي وصبية ومائة ألف دابة، واجتاح أكثر من مائة قرية كبيرة وصغيرة فامتلأت الشام من الأسارى ورجعوا بهم إلى حلب وديار بكر والجزيرة.
هذا ما وقع من الأحداث في العقد الثالث من القرن السادس، وأهم ما حدث ظهور دولة عماد الدين زنكي صاحب الموصل في حلب وإيقانه أنه لا سبيل إلى دفع