رأينا في ما تقدم من النقول أن كل إقليم بل كل بلد ناله حظ من نزول العرب في أرجائه وذلك قبل الإسلام وبعده:
بها غرر القبائل من معد وقحطان ومن سروات فهر ومجموع أصولهم يرجع إلى قيس ويمن، وهم الذين كان يطلق عليهم اسم العشران. وكثيرا ما كانت تقع بينهم حروب أهلية تسيل فيها الدماء وينادي فيها يا للثارات. انتشروا من الجنوب إلى الشمال ودام ذلك إلى العهد الأخير، وكانت بقايا هذه النغمة في لبنان إلى القرن الماضي فدثرت. وآخر حرب نشبت بين قيس ويمن الحرب التي وقعت في قرية خربثة بفلسطين والحرب التي نشبت في قرية عين دارة في جبل لبنان سنة 1710 م. ويتعذر الآن الحكم على أجيال العرب التي نزلت الشام لما طرأ على القطر من ضروب البلاء كالوباء والجدب والزلزال والظلم والجلاء. وقد ذكر لامنس أن العرب المسلمين لما انتهوا من أمر الجابية وعمواس ودابق أي لما فتحوا الشام برمته أنشئوا ينزلون المدن والقرى وقد دخل منهم قبائل برمتها قدرها من مائة إلى مائتي ألف ونظن هذا التقدير أقل من الحقيقة لأن المسجلين بديوان العطاء في دمشق فقط كانوا في الصدر الأول خمسة وأربعين ألفا فما بالك بسائر من كان يجري عليه العطاء في البلدان الأخرى وغيرهم من التجار وأصحاب الزرع والضرع؟ قال: فلو فرضنا أن نصفهم قتلوا في الحروب فيبقى النصف الآخر أمام السكان الأصليين وكانوا من أربعة إلى خمسة ملايين، وكان في الشام على عهد الرومان نحو سبعة ملايين. وقال بعض الباحثين من الإفرنج: إن الشام على عهد الإسكندر أي قبل المسيح بثلاثة قرون كان يسكنها عشرون مليونا من البشر، ولما جاءت العرب في القرن السابع كان سكانها قد نقصوا حتى بلغوا عشرة ملايين وفي عهدنا بلغ عددهم نحو سبعة ملايين.
لقب أهل لبنان بالمردة أي العصاة لعصيانهم أمر ملك الروم في عدم