في الدفاع واحد، فالشام إذاً اعتز بالتركمان. ثم إن السلجوقيين كانت بأيديهم الدروب أو المنافذ إلى آسيا الصغرى أو طريق الإفرنج من أوروبا إلى الشام على طريق البر، فتولي دولة التركمان القيادة العامة جمع بالطبيعة حولهم العرب من سكان هذه الديار وما إليها. إن حكم
التركمان الشديد عجل على ما يظهر في خروج الصليبيين إلى الشام. وإليك البيان:
أثخن بنو سلجوق أصحاب آسيا الصغرى في جيش صاحب قسطنطينية بإيعاز السلطان ملكشاه، وضايق الأمير برسق الروم، حتى قرر على القسطنطينية في كل سنة حمل ثلاثمائة ألف دينار للسلطان، وثلاثين ألف دينار له، جزية يؤديها، فخاف ملك القسطنطينية كثيراً على مملكته من هجوم المسلمين، فكتب يستنهض ملوك أوروبا أن يأتوا لمساعدته، ورضي بطريرك القسطنطينية بأن يقدم خضوعه لبابا رومية، إذا كانت ممالك أوروبا تجهز جيشاً لتخليص المملكة اليونانية مما يتهددها من هجوم التركمان والمسلمين، فكاتب ملوك أوروبا بذلك.
قال صالح بن يحيى في سبب استيلاء الصليبيين على ديار المسلمين: إنه لما قويت دولة بني سلجوق ضعفت حال الخلافة ببغداد، فلما مات ملكشاه السلجوقي سنة خمس وثمانين وأربعمائة وقع الخلف بين ولديه محمد وبركيارق، ودام الحرب بينهما نحو اثنتي عشرة سنة فاضطربت ممالك الشرق لذلك، ووافق هذا خلافة الآمر بأحكام الله بمصر وكان صغيراً، ولما كبر كان مستهتراً بالمملكة فخلا للصليبيين الجو.
وفي التاريخ العام أن حجاج النصارى كانوا يرمون إلى أخذ القبر المقدس من أيدي المسلمين، وإن كان هؤلاء يتركونهم وشأنهم يقومون بعبادتهم بسلام، ولكن كان يتراءى للنصارى أن سيدهم المسيح يرضى عن عملهم إذا أنقذوا قبره من غير المؤمنين بدينه. وروى بعض المؤرخين أن الفاطميين هم الذين فاوضوا الصليبيين وأرادوهم على غزو الشام لينجوا من السلجوقيين الذين كانت قويت دولتهم. وهذا مما يستبعد، وإن كان العقل لا يستبعد شيئاً في السياسة، ولكن ظهر أن الفاطميين حاولوا غير مرة رد الصليبيين عن السواحل وعن فلسطين.