كانت الشام في معظم دور الفاطميين ككرة الصوالجة تتقاذفها القوات المختلفة. وقد قام الفاطميون بعقب انقراض الدولة الإخشيدية في مصر، وورثوا تراثهم في قسم من هذه الديار، ثم انقرضت دولة الحمدانيين في الشمال، وكانت في آخر أمرها تفزع إلى دولة الروم البيزنطية لتحميها بأس خلفاء المصريين من بني عبيد. وقامت دولة بني مرداس ودولة بني الجراح ودولة بني سنان أي دول بني كلاب والطائيين وبني كلب إلى غيرهم من الدول الجديرات بأن يطلق على القائمين بها خوارج على الفاطميين، وكلهم أمراء عرب البادية أخضعوا المدن لسلطانهم مدة، وكان قيامهم دليلا على ضعف الدولة وسوء سياسة عمالها.
انقضى عهد الفاطميين أو كاد وكانت معظم أيامهم فتوحا وفتوقا، ولم يخفق علمهم على الشام كله مدة طويلة، بل كان إذا خضع الساحل خاصم الداخل، وإذا أطاع الجنوب نشز الشمال. وهكذا كان الشقاء في أيامهم أكثر من السعادة، والأهواء مشتتة، والآراء ممزقة، ولئن كان أول خافائهم ممن ملك الشام المعز ثم العزيز يحبان العدل والإنصاف، ولهما من الحزم قسط وافر، إلا أن الولاة الذين تولوا الشام على عهدهما أيضا كانوا في الأكثر ظلمة يسفكون الدماء ويستحلون أموال الرعية. فخرب القطر