كان على حلب عند هلاك الحاكم عزيز الدولة فاتك الوحيدي، وقد استفحل أمره وعظم شأنه وحدث نفسه بالعصيان، فلاطفته ست الملك عمة الظاهر لإعزاز دين الله وكفيلته، وهي التي قامت بتدبير مملكة الفاطميين بعد مهلك الحاكم، وساست الناس أحسن سياسة أربع سنين، أعادت الملك فيها إلى غضارته وعمرت الخزائن بالأموال واصطنعت الرجال - فلاطفته وبعثت إليه بالخلع والخيل بمراكب الذهب وغيرها، ولم تزل تعمل عليه حتى أفسدت غلاماً له يقال له بدر فقتله وحفظ الخزائن ووهبت له جميع ما خلفه وقلدته حلب. ولو لم يقبض الله لملك الفاطميين مثل هذه السيدة بعد الأحوال التي تمت على عهد الحاكم لكان الانقراض إلى دولتهم قريباً جداً. ثم جاء ابنه الظاهر لإعزاز دين الله وكان حسن السيرة فرفع أيدي المتغلبين على الملك، المتوثبين على سلطان الفواطم، واستقام له الأمر مدة. أما أيام الخليفة المستنصر بالله خامس خلفائهم الذي بقي في الخلافة ستين سنة وأربعة أشهر فقد كانت على هذا المنوال من التسرع في نصب العمال وصرفهم والشام
تشكو وتئن. والبؤس أكثر من السعادة، والمتغلبة منذ الثلث الأول من القرن الرابع كل يوم في شأن، تارة يقوم فيها مثل سيف الدولة الذي كان يُلبس على علاته، وتارة يقوم ابنه ومملوكه يستنجدان بالروم على المسلمين. ويرضيان بإعطاء الجزية لهم، ويدلانهم على عورات الجيران، بعد أن كان مؤسس دولتهم سيف الدولة يقاتلهم، ويظهر لهم من الشمم حتى يوم هزيمته ما يبيض وجه العرب والمسلمين.
كان الفاطميون زمن المعز والعزيز على جانب من القوة، فتح المعز مصر فدخلها من الغرب في مائة وقيل في مائة وأربعين ألف مقاتل، واستكثر من العساكر من كتامة وروم وصقالبة وبربر ومغاربة، حتى قيل لم يطأ الأرض بعد جيوش الإسكندر بن فيلبس الرومي الكبير أكثر من جيوش المعز الفاطمي، وربما فاقت بعددها الجيوش التي جمعها أبو الجيش