سعيداً مظفراً في حروبه، جائراً على رعيته، اشتد بكاء الناس عليه ومنه.
نعم كان سيف الدولة جائراً على رعيته يخرب قرية ليجيز شاعراً، ولما تربع في دست الملك بحلب استكثر من القصور له ولآله وقواده، وجعلها كحضرة بني العباس كعبة العلم والأدب، فوافاه الشعراء والعلماء من الأقطار، وكان كريماً مفضلاً خصوصاً على مداحه. ينفق نفقات طائلة على علماء بغداد ومهاداة وزرائها وأرباب النفوذ فيها، فكان حماته في دار الخلافة كثاراً استمال بهم الرأي العام البغدادي، فرضي الخلفاء ولم يخالفوه لأنه أبقى لهم الخطبة وإن ضرب السكة باسمه.
ولقد استحل سيف الدولة للقيام بهذه الأبهة الضخمة في مملكته الصغيرة مصادرة رعيته، فكان قاضيه أبو الحصين يقول: كل من هلك فلسيف الدولة ما ترك ولذلك كثرت مصادرة كل غني من التجار وغيرهم، فخربت الأصقاع الشمالية في أيامه. وذكر المؤرخون أن أبا الحصين الرقي قاضي حلب قتل في إحدى المعارك، فداسه سيف الدولة بحصانه وقال: لا رضي الله عنك فإنك كنت تفتح لي أبواب
الظلم. على أن هذا لا ينجي سيف الدولة من المؤاخذة لأنه كان يتيسر له صرفه عن القضاء، وليس أبو الحصين من أرباب العصبيات حتى يخافه. ومن كثرة مظالم سيف الدولة أن بني حبيب وهم أبناء عم بني حمدان، كانوا ينزلون نصيبين فأكبَّ عليهم بنو حمدان بصنوف الجور، حتى خرجوا بذررايهم في اثني عشر ألف فارس إلى الروم. وتنصروا بأجمعهم، ثم عادوا إلى بلاد الإسلام على بصيرة بمضاره، وعلم بأسباب فساده وقلوبهم تضطرم حقداً على ما قال ابن حوقل، وأخذوا يخربون القرى في الجزيرة والشام وأطمعوا صاحب الروم بإنطاكية وحلب.
وكانت لسيف الدولة طرق غريبة في الرحمة، من ذلك أنه سار مرة بالبطارقة الذين في أسره إلى الفداء، وكان في أسر الروم ابن عمه أبو فراس وجماعة من أكابر الحلبيين والحمصيين فأخذ بالفداء، ولما لم يبق معه من أسرى الروم أحد اشترى الباقين كل نفس باثنين وسبعين ديناراً حتى نفد ما عنده من المال، فاشترى الباقين ورهن عليهم بدنته درعه الجوهر المعدومة