جديدة أرضى بها قيساً ويمناً، فإنه لما جاء غوطة دمشق وافاه الحيان من مضر ويمن، فلقي كل من تلقاه بوجه واحد، فلما دخل المدينة أمر حاجبه بإحضار وجوه الحيين وأمره بتسمية أشرافهم، وأن يقدم من كل حي الأفضل فالأفضل منهم، وأن يأتيه بذلك، فلما أتاه به أمر بتصيير أعلى الناس من الجانب الأيمن مضرياً، وعن شماله يمانياً، ومن دون اليماني مضري، ومن دون المضري يماني، حتى لا يلتصق مضري بمضري، ولا يماني بيماني، فلما قدم الطعام قال قبل أن يطعم شيئاً: إن الله عز وجل جعل قريشاً موازين بين العرب فجعل مضر عمومتها، وجعل يمن خؤولتها وافترض عليها حب العمومة والخؤولة، فليس يتعصب قرشي إلا للجهل بالمفترض عليه. ثم قال: يا معشر مضر كأني بكم وقد قلتم إذا خرجتم لإخوانكم من يمن: قد قدَّم أميرنا مضر على يمن، وكأني بكم يا يمن قد قلتم وكيف قدمكم علينا، وقد جعل بجانب اليماني مضريا، وبجانب المضري يمانيا، فقلتم: يا معشر مضر إن الجانب الأيمن أعلى من الجانب الأيسر، وقد جعلت الأيمن لمضر والأيسر ليمن، وهذا دليل على تقدمته إيانا عليكم. ألا إن مجلسك يا رئيس المضرية في غد من الجانب الأيسر ومجلسك يا رئيس اليمانية في غد من الجانب الأيمن. وهذان الجانبان يتناوبان بينكما يكون كل من كان في جهته متحولا عنه في غده إلى الجانب الآخر. فانصرف القوم وكلهم حامد. وهذا من ألطف أساليب السياسة واستمالة القلوب بدون خسارة.
فافتخر إبراهيم بن المهدي بقوله: ما أعلم أحدا ولي جند دمشق فسلم من لقب يلقبه به أهل ذلك الجند غيري، وذلك أن كل ملقب ممن ولي إمرة الشام، لم يكن إلا
ممن ينحرف عنه من اليمانية أو المضرية، فكان إن مال إلى المضرية لقبته اليمانية، وإن مال إلى اليمانية لقبته المضرية، فعاملهم إبراهيم معاملة واحدة في الاجتماع وقضاء المصالح. فكانت الحاجة تعرض لبعض الحيين فيسأل قبل أن يقضيها له، هل لأحد من الحي الآخر حاجة تشبه حاجة السائل، فإذا عرفها قضى الحاجتين في وقت واحد. قال: فكنت عند الحيين محمودا لا أستحق عند واحد منهم ذمّاً