العلم، لما شاهد هذا التسفل في طبقة العلماء يشير على طلاب العلم الديني أن يتقن كل واحد منهم صناعة حتى لا يسفّ لأحد يستجدي نواله، ولا يمسي عالة على أبواب الحكومات وأرباب السلطات، أن احتاج إلى صناعته احترف بها. وإلا كان لمناصب الدين والدنيا مخطوباً لا خاطباً.
ولي سويد بن عبد العزيز قضاء بعلبك سنة 167هـ وكان محتاجاً، فلقيه داود ابن أبي شيبان الدمشقي فقال له: يا أبا محمد وليت القضاء بعلم العلم والحديث. قال: نشدتك الله أتحت جبتك شعار؟ فقال داود: نعم. فرفع سويد جبته وقال: لكن جبتي ليس تحتها شعار. وقال: أنشدك الله هل هذا الطيلسان لك؟ قال داود: نعم. قال سويد: فوالله ما هذا الطيلسان الذي ترى علي لي، وإنه لعارية، أفلا ألي القضاء بعد هذا، فوالله لو ولوني بيت المال فإنه شر من القضاء لوليته اه هذا قول عالم في زمن كان صاحب السلطان يطلب الأكفياء إلى القضاء فيفرون منه فرار السليم من الأجرب. ومنهم من ضرب لأنه لم يقبل أن يلي القضاء، وكان محتماً عليه
قبوله لانتهاء الرياسة في العلم والعمل إليه. كان هذا في ذاك العصر الذهبي فما بالك بالعصر الأخير، والجهال يتطلبون مناصب الدين إلا في الندر، ويقدمون لتوليتها الرشي والهدايا وقل فيهم النزيه الذي يستحق أن يطلق عليه اسم العالم، أفلا تسقط بجدك هيبة هذه الطبقة من النفوس بعد هذا؟
وبينا تجد بعض القائمين على الدين من أهل السواد الأعظم لا يهتمون لغير إملاء جيوبهم وبطونهم، تشاهد بعض رجال الدين من أبناء الطوائف الصغيرة يجمعون شمل من التفوا حولهم، يقودونهم إلى محجة سعادتهم، ويؤسسون لهم دور التعليم والقربات، وينشلونهم من السقوط الذي صاروا إليه بحكم الأيام. فلا بدع إن جاء مجموع الطوائف المسيحية على قتله في الشام، أرقى من مجموع الطوائف الإسلامية على وفرة عدده وسعة ثروته. وكان من أثر الرياسة الدينية المنتفية من الإسلام أن استخدمها أهل النصرانية في المصالح المهمة، فكان لهم فيها عموم النفع. وكانت هذه الرياسة على ما فيها ناجعة في تهذيب الشعب عندهم، فأخرجوه من تيه الفوضى إلى باحة النظام. وهذا هو سر الترتيب الذي تراه ماثلاً في المجتمع النصراني وهو على