ألفاظ التكريم عن عهد الترك وهي آخذة بالزوال، وبقدر ما يكثر سواد المتعلمين يقل سواد المداهنين والمرائين، على ما يقل المخرفون والمعتقدون. فقد كان بعض الناس يعتقدون بالفال والمندل والكيمياء والأحلام والكشف، فقل اليوم من يلتفتون إلى هذه المسائل، وخفت وطأتها حتى من القرى البعيدة. والمنورون من الناس قسمان: قسم وقف عند حدود الشرع واكتفى بأوامره ونواهيه، وآخر نزع ربفة الدين ولكن في سره دون الجهر من القول.
وبعض العادات لا تقوى على نزعها إلا الأيام الطويلة والنشوء السريع، وهذا متعذر الآن لتعذر نشر التعليم الإجباري في الشعب، فقد كان النساء إلى عهد قريب في الأحياء البعيدة عن مدينة حلب في الجنائز مسخمات وجوههن مخمشات لها لابسات ثياب الحداد، باكيات مولولات منتحبات، وهذا من عادات الجاهلية التي منعها الإسلام. وأول المسؤولين عن إقرار مثل هذه العادات المشايخ والوعاظ وأرباب الصحف. وقل أن رأينا من المشايخ والوعاظ من يتعرض لإنكار مثل هذه البدع والعادات الضارة. أما الصحف فعلى كثرة ما نشرت من الأنوار في طبقات مخصوصة من الناس فقد بقيت في ناحية من النواحي مقصرة كل التقصير، وهو البحث في العادات المضرة والأخلاق الساقطة. وإنا ليحزننا أن كان في الصحافيين أناس لا يزيدون المجتمع إلا فساداً فوق فساده، لأنهم يلقنون العامة الكذب والخديعة والملق، ويدعون أن قراءهم لا يرضون منهم إلا بهذه الطرق. ولكننا على يقين من أنهم هم يبيعون من قرائهم ما يتفق مع مصلحة جيوبهم
وأكياسهم. كان التدجيل إلى عهد قريب من خصائص بعض مشايخ الطرق فذهبت الآن ريحهم أو كادت وخلفهم هذا الضرب من الناس.
يمكن إرجاع أهم صفات الناس في هذا القطر إلى مادتين أصليتين الوفاء والكرم ولا تزال هاتان الصفتان ماثلتين في معظم الشاميين على كثرة ما اعتور مجتمعهم من تبديل وتعديل. وتجد هاتين المزيتين على أتمهما في كثير من أهل الطبقات الوسطى والدنيا، يقومون عليهما غالباً من دون أن يتوقعوا عنهما أجراً سماوي أو مظهراً دنيوياً. أما الطبقة العليا فمن النادر أن يكون فيها الوفاء والكرم، وإن وفت فلأمر ما تفي، أو تكارمت فلغرض