عن مواطن الشرف ليتزلفوا إلى من اعتقدوا أن في أيديهم إسعادهم. وكم من بيوت خربت بسبب هذا التمجد بالباطل والتقرب من أصحاب السلطان بفساد الأخلاق.
وكانوا إلى عهد قريب يقدمون الرجال على النساء في إعطاء القهوة أو الخمر، يرفعون مقام الرجل فوق مقام المرأة، ولا يزال أثر ذلك ظاهراً في الطوائف الإسلامية. فلما اقتبسوا المدينة الحديثة أصبح الرجل عند المسيحيين لا شيء تقريباً في بيته، والحكم لامرأته تصرفه على هواها، خصوصاً إذا كانت تعلماً منه، أو
كانت أسرتها أغنى من أسرته وجاءته ببائنة أو جهاز. وهذه الأخلاق ماثلة في بيروت وفي بعض الأقاليم المكتظة بالسكان.
ويحترم الأولاد آباءهم كما كان ذلك في سائر أرجاء القطر، على صورة فيها التشدد الزائد، حتى إن الولد لا يكاد بجالس أباه ولا يقعد أمامه، ولا يؤاكله ولا يدخلن أمامه ولا يرفع صوته، ولو تزوج وولد، ولا سيما في البيوت التي احتفظت بتقاليدها. وكانت العادة أن لا يتفرق أهل البيت الواحد مهما كثر أفراده، يسكنون في دار واحدة، وإذا كانت الأسرة فقيرة ففي غرفة واحدة. وكثيراً ما يخصون الولد الأكبر في الأرض بشيء من العقار وحفظ كرامة إلى أسرة أخرى، شأن كثيرين من المحنطين، بل شأن من يعدون أنفسهم في الراقين أيضاً.
كان البناني يتزوج في الثامنة عشرة أو العشرين من عمره ولا سيما في الطوائف الإسلامية، والمسيحيون قد يتأخرون إلى الثلاثين وبعضهم إلى الأربعين، وقد يخطف العروس عروسه في بعض الطبقات، إذا كانت من طبقة غير طبقته، وتظاهر أهلها بأنهم يأبون زواجه، أو لعداء بين أهل الخاطب والمخطوبة، أو لعدم الكفاءة في النسب أو المال، وكانوا يحبون كثرة النسل بخلاف ما نراهم اليوم بعد الهجرة، فإنهم أصبحوا على مثال الأمم التي تريد تقليل الذرية في البيت ما أمكن حتى لا يدخله الفقر. وكانوا يعدون كثيرة العيال من اليسر والبركة، ويقلقون لمن يتأخر حملها من نسائهم، ويشرعون