المخلوقات لم يحدث له علم بها حصلت مكشوفة بالعالم الأزلي. وهو تعالى حي وحياته بلا روح ولا اغتذاء، وجميع الأرواح مخلوقة، والحياة شرط في العلم والقدرة والإرادة والرؤية والسمع، فمن ليس بحي لا يصح أن يكون عالماً قادراً مريداً سامعاً مبصراً.
وهو سبحانه سميع بصير يسمع ويرى ولا يعزب عن سمعه مسموع وأن خفي، ولا يغيب عن رؤيته مرئي وأن دق، ولا يحجب سمعه بعد، ولا يدفع رؤيته ظلام، لم يزل رائياً لنفسه، وسامعاً لكلام نفسه، وأن الانكشاف بالسميع غير الانكشاف بالبصر، وأن كليهما غير الانكشاف بالعلم، بل لكل منها حقيقة يفوض علمها لله تعالى. وهو تعالى متكلم بكلام قائم بذاته ليس بحرف ولا صوت هو به أمرناه مخبر وأن القرآن كلام الله غير مخلوق.
الركن الثالث في الأفعال الله تعالى لا خالق سواه وكل حادث في العالم حدث بقدرته وخلقه لا محدث له غيره، وجميع أفعال العبادة اختيارية واضطرارية، مخلوقة له تعالى ومتعلقة بقدرته وإنما الله خلق في العبد قوة تسمى الإرادة الجزئية وأقدر عبده على صرف هذه القوة إلى ما شاء من جزئيات المأمورات والمنهيات
باختياره، وهذا الصرف هو الذي يسمى بالكسب تارة وبالميل والجزء الاختياري تارة آخرى، ويسمى أيضاً بقدرة العبد. وقد جرت عادة الله تعالى أنه لا يخلق القدرة على المعصية في أعضاء العبد حتى يصرف العبد إرادته الجزئية إليها، فإذا صرفها إليها بأن مال قلبه وعزم عليها فهناك يخلق الله تعالى القدرة في أعضاءه على فعلها فيفعلها، فقدرة العبد التي هي الميل المذكور مقارنة لإيجاد الله تعالى ليس لها تأثير في إيجاد الفعل بل مجرد مقارنة.
وهو تعالى لا يحب عليه شيء من فعل الأصلح لعبادة، ورعاية الحكمة والمصلحة في فعله، فله أن يعذب على الطاعات ويثيب على المعاصي، وأن يبتلي عبده بضرب الآلام من غير جرم سابق ومن غير ثواب لاحق، ولا يعد ذلك منه قبيحاً ولا ظلماً لأنه يتصرف في ملكه لا في ملك غيره، يفعل ما يريد، ولا حاكم عليه بل له الحكم، وإنما يثيب على الطاعة بحكم الكرم والوعد لا بحكم الاستحقاق واللزوم، ويعاقب على المعصية عدلاً منه تعالى،