وكل مدرسة من مدارسها الكثيرة لا تخلو من خزانة وافية بغرض الأساتيذ والتلاميذ. ومن أهم المدارس التي حوت خزائن ذات شأن العمرانية والعروية والناصرية والعادلية والأشرفية. جاء في فتاوى التقي السبكي صك وقف دار الحديث الأشرفية هذا: ويصرف إلى خازن الكتب ثمانية عشر درهماً في كل شهر وعليه الاهتمام بترميم الكتب، وإعلام الناظر أو نائبه ليصرف فيه من مغل الوقف ما يفي بذلك، وكذلك إذا مست الحاجة إلى تصحيح متاب أو مقابلته. وجاء فيه: وجعل جزاءاً من الوقف يصرف على مصالح المدرسة النورية ومن ذلك أن يصرف في شراء ورق وآلات نسخ من مركب حبر وأقلام ودوي ونحو ذلك ما يقع به الكفاية لمن ينسخ في الديوان الكبير أو قبالته الحديث أو شيئاً من علومه أو القرآن العظيم أو تفسيره، ويصرف إلى من يكتب في مجالس الإملاء، وإلى من يتخذ لنفسه كتباً أو استجازة، ولا يعطى من ذلك إلا لمن ينسخ لنفسه لغرض الاستفادة والتحصيل دون التكسب والانتفاع بثمنه. قال: وللشيخ الناظر أن يستنسخ للوقف أو يشتري ما تدعو الحاجة إليه من الكتب والأجزاء ثم يقف ذلك أسوة ما في الدار من كتبها. وكتب سنة ستمائة واثنتين وثلاثين اه.
وكان رهبان الموازنة في لبنان منذ القرن الخامس عشر يصرفون أوقات فراغهم في نسخ المخطوطات الدينية والعلمية وكان بعض بطارقتهم وأساقفتهم يحملون الشمامسة الرهبان وغيرهم على نسخ المتب يزيدون بها مجاميع الأديار والبيع في
الجبل ويتقيلون في ذلك مثال إخوانهم علماء المسلمين في المدن. وبهذه الطريقة كانت تنمو الكتب والأيدي تتناولها على أيسر وجه كأنها بعض المقدسات. وكأن القوم كانوا يتعبدون الله بحفظها وإماطة الأذى عنها وتجليدها وتخليدها، وخدمتها بالتعليق عليها ومعارضتها بالنسخ الصحيحة ووضع الفهارس لها بحسب عرفهم في تلك الأيام، يتخيرون لها ما يبقى ويخلد طويلاً من الورق المتين والمركب الجيد والجلد النفيس المجود الدبغ لندرتها، والنادر موضع العناية وهو خليق بأن تشد على يد الضنانة وتحتفظ النفوس به وتغتبط بتعاور الأيدي عليه دون أن يناله سوء من عوادي الدهر.