يقطع الدرب وينزل بعض حصون الروم ويكاتب ملكها ويجمع عليه رجاله وشيعته إلى أن يرتئي في أمره، ولكن حُمَّ القضاء ولا رادَّ لحكمه.
انقضت دولة بني مروان، وكانت دولة عربية صرفة سارت مع المدنية أشواطاً مع انشغالها بالفتح وقيام الخارجين عليها، ولم يبطلوا في كل دور غزو الروم، وكانوا على الأكثر يَسْبُون ويقتلون ويغنمون ويخربون حصونهم، والروم يغزون الشام وآسيا الصغرى وقد يصلون إلى إنطاكية ودُلوك مرعش. وكان أكثر ملوك الأمويين من الحزم والعلم وحسن السياسة والإدارة على جانب عظيم، والسواس منهم معاوية وعبد الملك وهشام، وليس كالوليد في باب الاضطلاع بإقامة المصانع، ولا مثل عمر ابن عبد العزيز في تطهير المملكة من المظالم وإحياء سنن العدل والمراحم ولا كسليمان ببعد النظر، وما منهم إلا العالم والشاعر والخطيب والسياسي، وقد فتحت عليهم الأقطار فنشروا فيها اللغة والدين على أيسر سبيل، وهذا مما لم يوفق إلى مثله غيرهم، ووضعوا أسس النظام في الممالك التي دوخوها وعرفوا ما يصلحها، وكانت إرادتهم أشبه باللامركزية في عهدنا، يبعثون بالعامل فيحل المسائل باجتهاده على رأي أهل الشرف والمكانة في القطر
الذي يتولاه، ولا يفاوض مقر الخلافة إلا في عويص الأمور، وقد نصب علم الأمويين الأبيض في المشارق والمغارب، نصب في الصين كما نصب في بواتيه في فرنسا، هذا وقد كثر المخلصون لدولتهم إلى أواخر أيامهم وقل المنتقضون عليهم المتوثبون على خلافتهم.
للدول كما للأفراد أعمار طبيعية. وملك بني أمية لم يطل أكثر من ألف شهر كاملة لأنهم ملكوا تسعين سنة وأحد عشر شهراً وثلاثة عشر يوماً، يوضع من ذلك أيام الحسن بن علي وهي خمسة أشهر وعشرة أيام، وأيام عبد الله بن الزبير إلى الوقت الذي قتل فيه وهي سبع سنين وعشرة أشهر وثلاثة أيام. فيصير الباقي بعد ذلك ثلاثاً وثمانين سنة وأربعة أشهر.
ذهب بنو أمية بالفضل في جمع الشمل، ولولا قيامهم هذا القيام