ولقد تبين من الحفريات التي أجريت في الشام ومن الآثار التي اكتشفت فيها أن آثارها تختلف كثيراً عما وجد من نوعها في الأقطار المجاورة، ولا يرجى أن نعثر في هذه الديار على آثار تثير بجسامتها إعجاب العامة قبل الخاصة، كما هو شأن آثار مصر وآشور وفارس. والسذاجة في الصناعات تغلب على الشاميين منذ القديم، وهذا ناشئ عن طبائعهم ومعتقداتهم. فالشامي في جميع أدواره التاريخية يميل إلى الساذج، وهذا يظهر في صناعته وفلسفته الدينية، وتتجلى في هذه
البساطة مواهبه الفنية، جمع بين الساذج والجميل فأحسن الصنع وأبدع. وتقل الآثار المنقولة النفيسة التي اكتشفت في الشام بالنسبة لما وجد في غيرها من الأقطار، وهذا القليل يشهد ببراعة الصانع الشامي وذوقه السليم، حاز بهما مكانة بين أقرانه من فناني بقية الشعوب.
وليس معنى قلة العاديات عدم انتشارها في القطر، بل لأنها لم تصل إلينا لأسباب وعوامل شتى. ذلك أن تربة الشام رطبة لا تحفظ ما يودع فيها. وأن الشاميين قلما يجعلون في مدافن موتاهم نفائسهم، كما هو شأن المصريين وغيرهم من الأمم القديمة. بل يكتفون بالأشياء الساذجة المنوعة. فإذا أضفنا إلى خلو القبور من الأعلاق، وما قد كتبه اشمو نزار ملك صيدا على تابوته مخاطباً به نابشي القبور، ناصحاً لهم أن لا يهتكوا حرمته، مؤكداً أن لا ذهب ولا فضة في قبره ندرك من هذا سر ندرتها بين أيدينا. فإذا كان هذا حال ملوكهم فما بالك بالرعية. وخلو القبور منها هو حجة للشام لا عليها، ودليل على سمو عقيدة سكانها، ونضج فكرتهم منذ القديم، لأن الشامي كبقية الشعوب السامية يغلب عليه الاعتقاد بأن الجسم مادة تتلاشى مع الزمن ليست جديرة بالإكرام الذي يبالغ به غيرهم من الشعوب. ومع هذا فقد انتشرت في الشام عادة وضع بعض الأشياء في القبور وذلك بمؤثرات خارجية واقتباس عادات الغالب، والشام في أكثر أدوار تاريخها خضعت لسلطان أجنبي.
الشام معهد ثلاث ديانات يدين بها اليوم معظم البشر. وهذه الديانات