المدارس والجوامع، ولا نغالي إذا قلنا: إن عدد الأميين كان في تلك العصور أقل مما هو الآن في هذه الديار. ولو اطرد العمل اطراده في مدارس الغرب مثلاً لأصبحنا في هذا القرن والأميون أقل مما هم في مماليك المدينة الحديثة.
ولكن الجهل قضى على تلك المدارس وأكل المتولون أوقافها فخربت وتغيرت معالمها. وكم من وقف يستمتع به النظار عليه يصرفون ما وقف على الخير في سبيل شهواتهم بدون محاسب من ذممهم ولا رقيب من أصحاب السلطان. ولو كتب لهم أن يأكلوا منها بالمعروف ويصرفوا حقوق تلك المعاهد أو بعض مغلها على رمها وإجراء الرزق على ساكنيها والدارسين فيها لأتت بثمرات جنية، ولما أكلوا في بطونهم النار، وركبوا متن العار والشنار، وكم من بيت كان موسوماً في القديم بالعلم والتقى فخلف من بعد السلف خلف عبثوا بالحرمات فاستحلوا أموال المدارس والمعابد فدثر البيت وانقرضت الأسرة وذهبوا وما يملكون جملة. لم يرحموا لأنهم لم يرحموا.
ضبطت الحكومة السابقة أكثر أوقاف الملوك والسلاطين وكان ريعها كثيراً جداً في هذه الديار، فلم تصرفها فيما خصصت له ولم تنجح في الغاية التي توختها منها، واستقل بعض أرباب النفوذ بالأوقاف التي ائتمنوا عليها أو انتهت إليهم بحكم الوارثة فأساءوا الاستعمال إلا من عصم الله. فالسبب إذاً في خراب مدارسنا الجميلة سوء إدارة الحكومات السالفة وعبث المتولين عليها وإخراجها عما وضعت له من عمل الخير بصنع أولئك الذين يعدون أنفسهم في جملة هذا المجتمع وهم أعدى عداته اه.