من هناك إلى قنسرين والعواصم فقتلا الأهلين ونهبا وخربا المساكن ولم يعفيا أحداً من أتباع بطريرك الموارنة، ثم انتهى جيشهما إلى طرابلس فخضع لهم أهل الكورة، ثم قوي الجبليون على عسكر الروم ثم قتلوا أكثرهم وانهزم الباقون. دعا الروم إلى قتال الموارنة لقولهم بالطبيعتين والمشيئتين ثم وفد وفد منهم مع لاون القائد يبيح أن يحارب الجيش الموجه عليهم، فلما عرف الجبليون وأهل العواصم بهذا انهالوا على الأروام من أعالي الجبل فقاتلوهم حتى قتلوا أكثرهم وانهزم الباقون. قال الدويهي: وبسبب هذه
الحملة على يوحنا مارون ولا سيما بسبب الوقعة التي جرت بين أهل الكورة وجبة بشري كان بدء التفرقة بين الموارنة والملكية. لأن الذين اتبعوا جيش الروم وانقادوا لرأيهم سموا ملكية تبعاً للملك، والذين ثبتوا في الأمانة تحت طاعة البطريرك يوحنا مارون سموا موارنة.
وقال ابن القلاعي: إن الموارنة في دخول المسلمين إلى الشام كانوا يسكنون جبل لبنان، ويتولون الجبال والسواحل التي تجاورهم، وبلادهم من حدود الشوف إلى بلاد الدريب، وأميرهم يسكن قرية بسكنتا نزل إلى البقاع في رجاله ونهبها وقتل كثيرين ولبث أياماً في قب الياس، فلما انتهى خبره إلى عبد الملك بن مروان أرسل اليه هدية ولم يزل يمكر به حتى قتله وقتل كثيرين من عسكره، وأحرق القرى وأبعد الموارنة من البقاع، ولم تزل الحروب منذ ذلك الحين ثائرة بين المسلمين والموارنة إلى نحو ثلاثين سنة ثم ابتنى الموارنة حصناً فوق نهر الكلب جرت عنده موقعة هائلة.
توفي عبد الملك في سنة 86 بعد أن ولي الخلافة منذ قتل ابن الزبير ثلاث عشرة سنة وأربعة أشهر، وكان من الحزم وسعة الصدر وجمال العلم والأدب على جانب عظيم، ويعد من فقهاء المدينة وهو أول من حولت الدواوين في أيامه إلى العربية، وفي عهده نقشت الدنانير والدراهم بالعربية 76 وكان قبل ذلك نقش الدنانير بالرومية ونقش الدراهم