اتخذ المسلمون مساجدهم للصلاة والعبادة وتلقي القرآن وعلومه والحديث وفنونه وعلوم اللسان، وما يتعلق بذلك من المطالب التي فيها قيام أمرهم وخدمة دينهم أولاً ولغتهم ثانياً، وظلوا على ذلك في الشان حتى أنشأ بدمشق رشأ بن نظيف بن ما شاء الله الدمشقي سنة 444 مدرسته المعروفة بالرشائية اتخذها دار القرآن، وكان الحسن بن عمار قاضي طرابلس للفاطميين والمتغلب عليها أقام في بلده دار الحكمة أو شبه مدرسة جامعة على النحو دار الحكمة التي أنشأها الحاكم بأمر الله في مصر سنة أربعمائة. ولما أراد المعتضد بالله العباسي بناء قصره ببغداد استزاد في الذرع بعد أن فرغ من تقدير ما أراد فسئل عن ذلك فذكر أنه يريده ليبني فيه دوراً ومساكن ومقاصير يرتب في كل موضع رؤساء كل صناعة ومذهب من مذاهب العلوم النظرية والعلمية ويجري عليهم الأرزاق السنية ليقصد كل من اختار علماً أو صناعة رئيس ما يختاره فيأخذ عنه. وأول من حفظ عنه أنه بنى مدرسة في الإسلام أهل نيسابور فبنيت بها المدرسة البيهقية ثم مدرسة الأمير نصر بن سبكتكين وتبعه غيره. وعُني السلاجقة بإنشاء المدارس في أقطار الشرق، وكان آلب أرسلان إذا رأى في بلد رجلاً متميزاً متبحراً في العلم بنى له مدرسة ووقف عليها وقفاً وقرر فيها للفقهاء تعاليم وجعل فيها دار كتب، ونظام الملك أحد وزراء السلاجقة الذي أنشأ المدرسة النظامية في بغداد في القرن الخامس أيضاً.
أصبحت طرابلس بدار الحكمة التي أنشأها فيها ابن عمار كعبة علم،