قال صالح بن يحيى: إن مراكب الإفرنج أخذت تتردد إلى بيروت بعد الحروب الصليبية بالمتاجر قليلاً قليلا. وكانت مراكب البنادقة تحضر إلى قبرس فيرسل صاحب قبرس بضائعهم في شونتين كانتا له إلى بيروت نقلةً بعد أُخرى، وكان للقبارسة جماعة من التجار يسكنون فيها أي في بيروت، ولهم خانات وحمامات وكنائس ثم بطل ذلك.
وتكاثر حضور مراكب طوائف الإفرنج وكانت ضرائب الواردات والصادرات تؤخذ في بيروت، وهي تبلغ جملة مستكثرة، وكان على باب الميناء دواوين
وعامل وناظر ومشارف وشادّ يوليهم نائب دمشق والمتوفر من المرتبات يحمل إلى دمشق. وذكر لامنس أنه في نحو سنة 1136م جاءت مراكب فرنسية عليها تجار إفرنسيون من مرسيليا ثم أخذت بعض مرافئ جنوبي فرنسا كمونبلية وارل تبعث سفنها، وبذلت جنوة جهدها لتبقى لها الأفضلية في التجارة مع الشام، وكانت عكا المرفأ الأعظم بين المواني وقاعدة التجارة ومركز القناصل العاملين، ثم مرافئ صور وطرابلس والسويدية التي كانت تسمى ميناء مارسمعان ثم بيروت. ومنذ القرن الخامس عشر تقدمت بيروت سائر مواني الشام، وكان تجار الإفرنج يستبضعون من ديارنا الحرير والقطن بكميات وافرة والكتان والخام والأنسجة الكتانية والحريرية، وكانت صور لا تزال تتجر بالأرجوان واشتهرت بآنيتها الصينية وزجاجها الفاخر، ويُقبل الأوربيون على حرير إنطاكية وزجاجها، ويبتاعون السكر بالكميات الكبرى من صزر وطرابلس وغيرهما من مدن الساحل، إلى غير ذلك من ضروب الثمار والعقاقير والحشائش الطيبة والأفاويه العطرية، وكان البنادقة يجلبون من حلب مقادير عظيمة من القطن والشب والبهار، وخيرات الهند والعجم تتدفق إليها. ومبدأُ اشتداد صلات الشام مع الغرب منذ الحروب الصليبية. وقد أخذ تجار الإفرنج أنفسهم بفضل صلاح الدين ثم أخلافه من بعده يغدون ويروحون في هذا القطر، والحرب ناشبة بين الفريقين لا يمس أحدهم بأذىً، ولا يعتدي على حقوقه، حتى اضطر الصليبيون أن يعاملوا تجار العرب على هذه الصورة في الأرض التي بقيت في أيديهم إلى آخر مدة الحرب مثل صور وعكا وإنطاكية لا ينال التجار منهم كبير