برونقها تدهشك كما يدهش الداخل إلى متاحف الآثار المصرية من نقوش بيبان الملوك
وبني حسن وسقارة وكتاباتها ورسومها، وقد مضى عليها قرابة أربعة آلف سنة، على حين تنصل الألوان المستعملة لعهدنا وتكمد في سنين قليلة.
والسبب في نصول الدهان الجديد، ومواده تأتي من الغرب، أن الدهانات القديمة كانت من صنع القطر ترجع إلى أصل ثابت ويحافظ عليها من المطر والشمس لأن الأقدمين لم يكونوا يعنون بفتح الطيقان والنوافذ وتوسيع الأبواب مثل المحدثين، ولذلك صبرت الأصباغ على الأيام، زد إلى ذلك عنايتهم في تخير الأخشاب وأكثرها من الدف الرومي أو الجوز أو السرو وهذه مما يصعب تطرق التشقق والبلى إليه كالكريش والشوح وفيه مواد قطرانية أو غيرها، وكانت لهم في دمشق صناعة من الدهان تعمل من الحفر والتنزيل ويقال لها الأبلق وهي أن يرسم الدهان الحجر مما يريد من الأشكال والنقوش ويحفرها النقاش والحفار ثم يدفعها إلى الدهان فيدهنها بصب الأصباغ في الشقوق التي يريدها ثم تجلى وتصقل فيجيء صبغها كأنه من أصل الحجر ثابتاً براقاً، ولا يعما منه شيء اليوم.
وفي دمشق أُسرة عرفت بأسرة الدهان اختصت بصناعة الدهان الذي يقال له العجمي كما اختصت بصنع هذا الأبلق. وتصنع هذه الأسرة مناضد وخزائن واسكملات بهذا الدهان المعروف بالعجمي من النوع المقرنص تكون آية الإبداع وحسن الذوق ويتنافس في اقتنائها العظماء لتزيين قصورهم وتبقى السنين الطويلة زاهية زاهرة. وقد دهنت عدة قاعات فجاءت آية الإبداع. وذكر الغزي أن أحد شبان حلب تعلم في أميركا صناعة الدهان على الأصول الحديثة فجاء عمله غاية في الرونق والإتقان. والمنتظر تعميم هذه الصنعة على هذا المنوال مع مراعاة المعرفة القديمة فيها.
هذا في دهان الغرف والأبهاء والقاعات، وأما صبغ الثياب والحرير والقطن
والغزل، فكان الاعتماد فيها على أصباغ لهم جميلة يعرفونها، ربما كان أكثرها من تركيبهم أو من معادن القطر. وكان للصباغ الدمشقي صيت بعيد في الأقطار، لثبوت ألوانه ولطافة لمعانه، وكانت أصباغه معدنية ونباتية لا غش فيها فلما تغلبت الأصباغ الغربية بطل استعمال القديم منها بل نُسي