وما راعني إلا ابن ورقاء هاتف ... على قنن بين الجزيرة والنهر

أدار على الياقوت أجفان لؤلؤ ... وصاغ على المرجان طوقاً من التبر

حديد شبا المنقار داج كأنه ... شبا قلم من فضة مد في حبري

توسد من عود الأراك ... ومال على طي الجناح مع الفجر

ولما رأى دمعي مراقاً أرابه ... بكائي فاستولى على الغصن النضر

وحث جناحيه وصفق طائراً ... فطار بقلبي حيث طار ولا أدري

مفسق طوق الأزودي كلكل ... موشى الطلى إحدى القوادم والظهر

ونزلنا بظاهر حصن شيرون، وقد ترعرع شباب اليوم، وطالبنا غريم الظهيرة بمنكسر فرض النوم، حصن أشم، ومناخ لا يذم. نزلنا الهضبة بازائه، وغمرنا من بره ما عجزنا عن جزائه، وعثرنا بين المضارب، ببعض العقارب، سود الرؤوس، متوجة بأذنابها في شكل الطاؤوس، فتلقينا ذلك بسعة الصدر وقلنا العقرب من منازل البدر. ورحلنا بمثل تلك الصورة، نلتحف ظلال وادي المنصورة، وسمر الأندية، وسلطان الأودية. يالها من أرائك مهدلة السجوف، وجنات دانية القطوف، ينساب بينها للعذب الزلال، أرقم سريع الانسلال، وصارم يغمد في جفون الظلال، يتلاعب بين أيدينا شمالا ويميناً، فطوراً عصباه ثعباناً، وآونة تنعطف صولجاناً، وتارة تستدير أفلاكاً، وربما نسجت منه أيدي الرياح شباكاً، وأم حسن فيه ذات لسن، تبعث بنغماتها لواعج الشجون، وتقيم دين ابنها في الخلاعة والمجون. وسرنا ودر الحصى بساط الأرجل ركابنا، ودنانير أبي الطيب تنثر فوق أثوابنا، ترقب نجوم القلاع والحصون، من خلل سحاب الغصون. والنساء إلى مشاهدة التبزير قد حفت، وبشاطئ الوادي قد صفت، قد أبرزن الثنايا ببروق الثنايا، وسددن سهام المنايا، عن حواجب كالحنايا، يشغلن الفتى عن شئونه، ويسلبن الروض لين صونه، هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه.

وطالعنا برشانة حرسها الله، فحيتنا ببواكر الورد، ونضت عنا برود البرد، وشملتنا بالهواء المعتدل، وأظلتنا برواقها المنسدل. بلد أعيان وصدور، ومطلع نجوم وبدور، وقلعة سامية الجلال، مختمة بالكواكب متوجة بالهلال. حللناها في التبريز الحفيل، والمشهد الجامع بين الذرة والفيل، حشر أهلها بين دان ونازح، ومثل حاميتها من نايل ورامح، فكان ذلك المجتمع عيداً، وموسماً سعيداً، وبتنا في ليلة للأنس جامعة، ولداع السرور سامعة. حتى إذا الفجر تبلج، والصبح من باب المشرق تولج، سرنا وتوفيق الله قائد، ولنا من عنايته صلة وعائد، تتلقى ركابنا الأفواج، وتحيينا الهضاب والفجاج إلى قتوريه، حرسها الله، فناهيك من مرحلة قصيرة كأيام الوصال، قريبة البكر من الآصال. كان المبيت بازاء قلعتها السامية الارتفاع، الشهيرة الامتناع، وقد برز أهلها في العديد والعدة، والاحتفال الذي قدم به العهد على طول المدة، صفوفاً بتلك البقعة، خيلا ورجلا كشطرنج الرقعة، لم يتخلف ولد عن والد، وركب قاضيها ابن أبي خالد، وقد شهرته النزعة الحجازية، ولبس من حسن الحجى زية، وأرمي من البياض طيلساناً وصبغ لحيته بالحناء والكتم، ولاث عمامته واختتم، والبداوة تسمه على الخرطوم، وطبع الماء والهواء يقوده قود الجمل المخطوم، فداعبته مداعبة الأديب للأديب، وخيرته بين خصلتي الذيب، وقلت نظمت مقطوعتين إحداهما مدح والأخرى قدح، فإن همت ديمتك وكرمت شيمتك فللذين أحسنوا الحسنى وإلا فالمثل الأدنى. فقال أنشدني لأرى على أي الأمرين أثب، وأفرق بين ما اجتني وما أجتنب، فقلت:

قالوا وقد عظمت مبرة خالد ... قاري الضيوف بطارف وبتالد

ماذا أتمت به فجئت بحجة ... قطعت بكل مجادل ومجالد

إن يفترق نسب يؤلف بيننا ... أدب أقمناه مقام الوالد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015