وذهب إلى هذا سعيد بن جبير من أئمة التابعين كما حكي ذلك عن القاضي عياض في كتابه (الشفا في التعريف بحقوق المصطفى) وهو كتاب سيرة نبوي – في ص 97 حيث نقل القاضي عن سعيد بن جبير عليه رحمة الله أنه قال: لا أقول رآه ولا أقول لم يره.
ويفهم من كلام الإمام الذهبي عليه رحمة الله أنه يميل إلى هذا القول ففي سير أعلام النبلاء (10/114) يقول: "والذي دل عليه الدليل عدم الرؤية مع إمكانها فنقف عند هذه المسألة فإثبات ذلك أو نفيه صعب والوقوف سبيل السلامة والله أعلم، وإذا ثبت شيء قلنا به".
انظر لهذا الكلام الذي هو أصفي من الذهب وأحلى من العسل، وهذا الإنصاف وهذا هو حال أئمتنا في البحث العلمي فلا نعنف من أثبت الرؤية لنبينا عليه الصلاة والسلام في الدنيا ولا من نفاها بل نقول الله ورسوله أعلم، بلى نعنف ونبدع من أنكر الرؤية في الآخرة، إذ رؤية الله في الآخرة تثبت بنصوص متواتر.
وهذه المسألة أشار إليها الإمام الذهبي أيضاً في (2/167) وقد ذكرته سابقاً، فيقول: "ولم يأتنا نص جلي بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الله بعينيه، وهذه المسألة مما يسع المرء المسلم في دينه السكوت عنها، فأما رؤية المنام فجاءت من وجوه متعددة مستفيضة وأما رؤية الله سبحانه عياناً في الآخرة فأمر متيقن تواترت به النصوص وجمع أحاديث الرؤية الإمام البيهقي والإمام الدارقطني وغيرهما" فهذا فيما يظهر ميل الذهبي إلى هذا القول، أنه يتوقف ولا يعنف من قال بخصوص الرؤية ولا يعنف من نفاها.
وخلاصة الكلام ... في هذه المسألة أربعة أقوال ثابتة عن سلفنا الكرام وهي مما يسع الإنسان في هذه المسألة أن يقول بواحد منها، وإذ قال بواحد منها فلا يعنف ولا يبدع ولا يضلل لاختلاف السلف في هذه المسألة.
فلا نعنف من أنكر الرؤية في الآخرة فذاك يخالف أمراً مجمعاً عليه، فنبدعه ونحكم عليه بالضلال فانتبه لهذا.