وورد في صحيح مسلم عن عبد الله بن شقيق (من التابعين) [أنه التقى بأبي ذر رضي الله عنهم أجمعين فقال له: ليتني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسأله؟ فقال: وماذا تريد أن تسأله؟ فقال: كنت سأسأله: هل رأيت ربك؟ فقال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، هل رأيت ربك؟ فقال: [نورٌ أنّى أراه] فهذا الأخير من كلام نبينا عليه الصلاة والسلام ومعظم من أورد هذا الحديث يقول هذا دليل على نفي الرؤية.
وأنا أقول: هل هذا دليل على نفي الرؤية أم على حصولها؟
الجواب: هذا الحديث دليل على حصول الرؤية، كيف هذا؟
يا إخوتي الكرام ... عندما أقول هذا رجل أنّى أراه، ما معنى هذا؟ معناه أنه كيفما أراه وفي أي حالة أراه فهو رجل.
وهذا هو جواب الإمام ابن خزيمة وتعليله فيقول أنّى ليست للاستبعاد وإنما لبيان أن هذا هو حال الله في جميع الأحوال.
فالمعنى هو أن الله جل وعلا كيفما أراه فهو نور، وهذا كقوله تعالى (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم) أي كيف شئتم، وليس المعنى أنّى لا أراه ومستبعد أن أراه.
فإذن هو يدل على حصول الرؤية، يدل على هذا الرواية الثانية في صحيح مسلم [رأيت نوراً]
وقال النافون للرؤية: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يره لكن رأى النور الذي هو حجابه، فإن الله لا يُرى في الحياة الدنيا، وحملوا أنّى على الاستبعاد لا على هذا لعموم الأحوال.
المحاضرة السادسة عشرة
وقد حاول أصحاب القول الثاني [الذين قالوا الرؤية قلبية ليست بصرية] أن يجمعوا بين القول الأول والثالث وأن يردوهما إلى القول الثاني فقالوا:
من أثبت الرؤية فمراده الرؤية القلبية.
ومن نفى الرؤية فمراده الرؤية البصرية.
وعليه فالأقوال الثلاثة بمعنىً واحد ولا اختلاف بينها، وهذا هو رأي الإمام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، والإمام ابن حجر في فتح الباري (8/608) مال إلى هذا وجمع بين الأقوال الثلاثة فردها إلى قول واحد.