بل كان هذا في عالم المثال، فملك الموت لم يأت لموسى بصورته الحقيقية، وكذلك كان جبريل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في غير صورته، فكان يأتي بصورة دحية الكلبي أو في صورة أعرابي سائل وغيرها من الصور ولا يأتيه بصورته الحقيقية إذ أن صورته الحقيقية أن له ستمائة جناح، وملك الموت لو جاء بصورته الحقيقية لهدمت العمارات من رؤية صورته، فإذا جاء ملك الموت بصورة صديق لموسى وهذا من باب الغيب الذي نؤمن به ولا نبحث في كيفيته، فموسى له دالة ومنزلة ورتبه على ملك الموت فضربه فقلع عينه المثالية وليس في هذا إشكال.

وهذا كما لو ضربْتَ شخصاً تحبه ويحبك، وقلعت عينه لكن في المنام ثم أخبرته في الصباح برؤياك فتراه، يقول لك لو قلعت عيني الأخرى، وهل ضربك عندي إلا أحلى من العسل وهذا مشاهد فإذا لوح موسى لملك الموت وضربه في عالم المثال فليس فيه منقصة، فهذا الضرب كان انفعال مؤقت وغضب ولا لأجل نفور منه.

فذهب ملك الموت إلى الله جل وعلا فرد عينه المثالية التي قلت في عالم المثال دون تغير لحقيقة الأمر، ولا تسأل عن كيفية هذا.

ثم جاء ملك الموت إلى موسى فقال له: إني مرسل من قبل الله بخبر ٍ آخر، فالله يقول لك إن شئت أن نقبض روحك الآن فقد انتهى أجلك، وإن شئت أن نمد في حياتك فلك ذلك لكن على أن تضع يدك على مسك ثور، فكم سنة ستعيشه يبارك الله لك فيها، فقال موسى: فبعدها؟ فقال له ملك الموت: لابد من الموت، فقال: فمن الآن، فقبض روحه وقال: اللهم قربني وأدنني من الأرض المباركة رمية حجر فيستحب إذن الدفن في الأرض الصالحة المباركة بجوار بيت المقدس وسيأتينا في حديث الإسراء أن النبي صلى الله عليه وسلم رآه عند الكثيب الأحمر قائماً يصلي في قبره، ثم قال: لو كُنْتُ ثَمَّ لأريتُكم قبره الذي يصلي فيه نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام.

فهل في فهم هذا الحديث على هذا المعنى إشكال؟

فإن قيل: كيف فعل نبي الله موسي هذا في عالم المثال؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015