وماء زمزم هو أشرف مياه الأرض وقد ثبت بإسناد حسن عن نبينا عليه الصلاة والسلام (ماء زمزم لما شرب له (وهو (طعام طعم وشفاء سقم (كما ثبت هذا عن نبينا عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم، وكان كثير من الصالحين يتقوتون بماء زمزم فهو ماء وغذاء، ويمكث أربعين يوماً - كما يقول الإمام ابن القيم – لا يدخل شيء جوفه إلا ماء زمزم، وانظروا فضل ماء زمزم في كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد (4/392) وما لزمزم من خواص وآثار وهو يخبر عن نفسه أنه كان يمكث الأيام المتوالية ما يتغذى إلا بماء زمزم.
فهو إذن ماء مبارك ومن أجل هذا غسل قلب نبينا عليه الصلاة والسلام به.
قد يقول قائل: كيف غسل قلب النبي عليه الصلاة والسلام بطست من ذهب، والذهب محرم استعماله على الذكور والإناث؟
ذكر أئمتنا جوابين:
الأول: وهو ضعيف في نظري – وهو أنه كان قبل التحريم.
الثاني: وهو المعتمد أن هذه الحادثة من خوارق العادات وهي متعلقة بأمور الغيب وهي بأمر الآخرة ألصق منها وأقرب من أمر الدنيا، ولذلك لها أحكام الآخرة، فكما أننا في الآخرة نحلّى بأساور من ذهب (وحلوا أساور من ذهب) فحادثة الإسراء والمعراج لها أحكام الآخرة لا أحكام الدنيا، وهذه من باب خوارق العادات ولذلك لها حكم خاص خص الله به نبينا عليه الصلاة والسلام.
قال ابن حجر: قوله (حشياه إيماناً وحكمة) فيه إشارة إلى أن الحكمة هي أفضل شيء بعد الإيمان، ورأس الحكمة خشية الرحمن، والحكمة باختصار: وضع كل شيء في موضعه فالعبادة توضع للمعبود بحق وهو الله جل وعلا فلا نصرفها لغيره فهذه حكمة، ومن عبد غير الله فهو سفيه سفه نفسه: (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه) وهل هناك سفاهة أعظم من أن يصرف حق الخالق للمخلوق (إن الشرك لظلم عظيم) .
فالحكمة هي أعلي الفضائل بعد الإيمان ولذلك حشي قلب نبينا عليه الصلاة والسلام وصدره ولغاديده وحكمة.