وكأنه بعد حصول هذه المميزات لنبينا عليه الصلاة والسلام يقول له برنا: ليس في إيذاء السفهاء لك منقصة، وليس في ذلك غضب منا عليك، فاعلم هذا وقم بالدعوة بجد ونشاط وحذار حذار أن تسير مع الميول البشرية والطبيعة الإنسانية فتقول ضاقت علي الأرض بما رحبت قومي آذوني وكثر صبري عليهم مع ما حصلت منهم من الإعراض، ذهبت إلى الطائف فقابلوني أشنع مقابلة، وطبيعة البشر قد تخور وتضعف، فلا بد من تثبيت فأكلمه الله بالإسراء والمعراج وهذا في غاية التثبيت له عليه صلوات الله وسلامه وفعلا بعد هذه الحادثة كان نشاطه للدعوة أكثر وقام يدعو بجد ونشاط ولذلك في صبيحة اليوم التالي لليلة الإسراء والمعراج لقيه أبو جهل فقال: يا محمد، هل من خبر جديد؟ قال نعم أسري بي هذه الليلة إلى بيت المقدس، قال أو تستطيع أن تخبر قومك إذا دعوتُهم؟ قال: نعم فبين ثباته ولم يبال بأحد عليه صلوات الله وسلامه، فدعاهم أبو جهل وقال: اسمعوا ما يقول محمد، فقالوا: انعت لما بيت الله المقدس يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: فكربت كربا شديداً، لم أكرب مثله قط لأنني ما أثبته – أي ما علمت أحوال بيت المقدس وكم فيه من نافذة وكم له من باب فكيف سأنعته لهم، يقول: فأتي جبريل ببيت المقدس فوضعه عند دار عقيل بن أبي طالب، وأنا أنظر إليه فجعلت أنعته لهم باباً بابا وشباكاً شباكا.
فهذا هو حال النبي صلي الله عليه وسلام بعد ذلك الحادث العظيم، فقد صار عنده عزم وحماس للدعوة أكثر من الأول.
إخوتي الكرام ... حادثة الإسراء والمعراج وقعت بعد هذين الحادثين المريرين وفاة زوجه وعمه وكل منهما كان له مواقف خاصة مع نبينا عليه صلوات الله وسلامه، وإذا كان الأمر كذلك فإذن هنا حزن على وفاتهم ثم هنا حزن لمزيد الأذى بعد موتهما فكان لابد من تسلية لنبينا صلي الله عليه وسلم.