هذا إن وقع لنبي فهو معجزة كما هو الحال هنا، وإن وقع لعبد صالح فهو كرامة، ويذكر الإمام القرطبي عن نفسه كرامة أكرمه الله بها في بلاد الأندلس عند قول الله جل وعلا (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً) في سورة الإسراء وانظروها في تفسيره عند هذه الآية يقول: لما دخل الفرنج – النصارى - إلى بلاد الأندلس كنت في حصن منثور في ذلك المكان وكنت في الصحراء وفي العراء ولا توجد شجرة أتوارى بها ولا أكمة أختبئ وراءها - أي تل مرتفع أو منبسط - وأنا في ذلك المكان وجحافل الجيش تتقدم، يقول: فالتجأت إلى الله وقرأت القرآن فصرت أراهم ولا يرونني، وبدأت أسمع أصواتهم، يقول بعضهم لبعض: هذا الرجل الذي ظهر لنا ثم توارى عنا ما هو؟ فيقول له الآخر: لعله ديبلة يقول هذا في لغتهم لعله جني ظهر ثم اختفى، يقول أنا أسمع كلامهم وأراهم ولا يرونني، فهذه يقولها عن نفسه والله على كل شيء قدير.
قال الإمام بن تيمية في (مجموع الفتاوى في 11/331) : "إذا صح الإيمان علماً وعملاً واحتاج صاحبه إلى خرق العادة، سيخرق الله له العادة ولابد، لأن الله يقول: (إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً) ويقول: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) "لكن هذا يحتاج إلى تصليح الإيمان علماً وعملاً، ولذلك إخوتي الكرام: من لجأ إلى مخلوق دل على انفصاله عن الخالق.
(ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم) ، لكن هو إذا صح إيمانه علماً وعملاً، علم نافع واعتقاد حق بالله وعمل صالح وإذا قال يا رب، لم يتخل عنه رب العالمين، لأنه قطع على نفسه مبدأً فقال (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) فلو كادته السموات والأرض لجعل الله له من بينهن فرجاً ومخرجاً والله على كل شيء قدير، وعندما يعرض العبد عن هذا يكله الله إلى نفسه وفلا يبالي في أي وادٍ هلك.
القسم الرابع: المعونة