المُخاطِبُ هو الله – سبحانه - غير في الكلام، فكان الكلام على صيغة (سبحان الذي أسرى) وأسرى غيبة، (أسرى بعبده) فلم يقل أسريت بعبدي، ولم يقل: سبحاني أسريت بعبدي، أو سبحاننا أسرينا بعبدنا على وجه التعظيم – من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله، إذ أصل الكلام أن يقول: سبحاننا أسرينا بعبدنا ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله فتكون باركنا مثل سبحاننا وأسرينا وعبدنا، لكن قال تعالى: (سبحان الذي أسري بعبده) على جهة الغيبة ثم قال (ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله) فلو أراد أن يكون الكلام متفقاً مع الغيبة لقال: سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي بارك حوله ليريه من آياته إنه هو السميع البصير إذن فالمتكلم نقل كلامه من غيبة إلى حضور ومن جهة إلى جهة. وغرضه الأصلي أن يشحذ الذهن وأن يشد الانتباه لمضمون الكلام لئلا يحصل ملل وسآمة من مجيء الكلام على صورة واحدة، ثم للتنبيه وهنا فائدة خاصة أيضاً، أما غرض الالتفات العام شحذ الأذهان وجلب الانتباه ثم في كل مكان له غرض خاص، فما هو الغرض الخاص هنا؟ للإشارة إلى عظيم تلك البركات الموجودة حول المسجد الأقصى فلأجل أن يقرر تلك البركات وكثرتها ونفعها نقل الكلام من هيئة إلى هيئة، شحذ الذهن ثم قرر تلك البركات، يدل على هذا: أنه أتى بنون التعظيم التي يعظم بها ربنا نفسه كأنه يقول: العظيم لا يفعل إلا أمراً عظيماً، وهناك بركات جسيمة جعلتها حول المسجد الأقصى.
وهذا المسجد الأقصى الذي فرطنا فيه وفرطنا في بلاد الإسلام كلها بل فرطنا في الإسلام وما أقمنا وزناً للرحمن ولا لنبينا عليه الصلاة والسلام.
(لنريه من آياتنا)