.. وذلك الضلال الذي كان يسري في العباد، ويخيم على البلاد، كان عاماً شاملا ً لم ينج منه إلا بقايا من أهل الكتاب، الذين ثبتوا على شرع ربهم، ولم يتلاعبوا فيه، ومن أجل ذلك عم مقت رب العالمين للناس أجمعين، إلا تلك الثلة من المتمسكين بالهدي القويم من أهل الكتاب السابقين، كما ثبت هذا في المسند وصحيح مسلم عن عياض بن حمار المُجاشِعِي – رضي الله تعالى عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال ذات يوم في خطبته: ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا، كل مال نحلته عبداً حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً، وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب، وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتاباً لا يغسله الماء، تقرؤه نائماً ويقظان" الحديث (?) .
... وقد قام نبينا – صلى الله عليه وسلم – بمهمة البلاغ والبيان أحسن قيام، ونشر بين الناس النور والهدى والعرفان، ولم يقبضه ربه العظيم إلى جواره الكريم حتى أقام به الملة العوجاء، وفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، فترك الناس على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك (?) .