فالقلب كالأرض، والإيمان كالبذر فيه، والطاعات جارية مجرى تقليب الأرض وتطهيرها، ومجرى حفر الأنهار وسياقة الماء إليها، والقلب المستهتر بالدنيا المستغرق بها كالأرض السبخة التي لا ينمو فيها البذر، ويوم القيامة يوم الحصاد، ولا يحصد أحد إلا ما زرع، ولا ينمو زرع إلا من بذر الإيمان، وقلما ينفع إيمان مع خبث القلب وسوء أخلاقه، كما لا ينمو بذر في أرض سبخة.
والعبد إذا بث بذر الإيمان، وسقاه بماء الطاعات، وطهر القلب عن شوك الأخلاق الرديئة وانتظر من فضل الله – عز وجل – تثبيته على ذلك إلى الموت، وحسن الخاتمة المفضية إلى المغفرة كان انتظاره رجاء حقيقياً في نفسه، باعثاً له على المواظبة، والقيام بمقتضى أسباب الإيمان في إتمام أسباب المغفرة إلى الموت.
وإن قطع العبد عن بذر الإيمان تعهده بماء الطاعات، أو ترك القلب مشحوناً برذائل الأخلاق، وانهمك في طلب اللذات، ثم انتظر المغفرة فانتظاره حمق وغرور، وهو من أهل الزيغ والثبور.
المثال الثالث:
لو استأجر كريم أجيراً، ليقوم بإصلاح بيته وتحسينه، وشرط له أجره معلومة وكان الشارط المستأجر يفي بوعده، بل يزيد عليه بمقتضى كرمه وفضله، فالأجير يتوقع الأجرة على التمام، بل والزيادة عليها بمقتضى الفضل والإحسان، إن قام بالعمل خير قيام وتوقعه رجاء حقاً عند الأنام.
أما إذا هدم الأجير البيت ونقضه، وأتلفه وأفسده، ثم جلس ينتظر الأجرة، ويتوقع عليها الزيادة، اعتماداً على كرم المستأجر وإحسانه فانتظاره غرور، وتوقعه دجل وزور عند جميع أهل العقول.
والله رب العالمين، خلق المكلفين، للقيام بشرعه المبين، ووعدهم على ذلك جنات النعيم، فمن قام بما خلق من أجله، ثم رجا الله الكريم من فضله، فهو راج عند الفضلاء، وحاشا أن يخيب رجاؤه عند رب الأرض والسماء.