لأنه لا مشقة في ذلك، والمؤنة فيه خفيفة، فإذا حقت الحقائق، وحصل التمكن هاجت الشهوات فانحلت العزائم، وتأخر الإنسان عن فعل المكارم، وهذا مضاد للصدق في العزيمة، ومعاقبته وخيمة وهو خلق المنافقين الفجار، ويتنزه عنه المؤمنين الأبرار، كما أخبرنا عن ذلك العزيز الغفار، وقال: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} الأحزاب23، ثبت في الصحيحين وغيرهما عن أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنهما – قال: غاب عمي أنس بن النضر – رضي الله تعالى عنه – عن قتال بدر، فقال: رسول الله – صلى الله عليه وسلم – غبت عن أول قتال قاتلت المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون، قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء – يعني: أصحابه – وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء – يعني: المشركين – ثم تقدم، فاستقبله سعد بن معاذ – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – فقال: يا سعد بن معاذ، الجنة ورب النضر، إني أجد ريحها من دون أحد، قال سعد ما استطعت يا رسول الله ما صنع، قال أنس: فوجدنا به بعضاً وثمانين ضربة بالسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، ووجدناه قد مثل به المشركون، فما عرفه أحد إلا ببنانه، قال أنس: كنا نرى – أو نظن – أن هذه الآية نزلت فيه، وفي أشباهه: " مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ " إلى آخر الآية (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015