يعني فوق حرفها، يقال: هذا شفا هذه الركية مقصور، وهما شفواها. وقال: {فَأنْقَذَكُمْ مِنْها} يعني فأنقذكم من الحفرة، فردّ الخبر إلى الحفرة، وقد ابتدأ الخبر عن الشفا، لأن الشفا من الحفرة، فجاز ذلك، إذ كان الخبر عن الشفا على السبيل التي ذكرها في هذه الآية خبرا عن الحفرة، كما قال جرير بن عطية:
رأتْ مَرَّ السِّنِينَ أخَذْنَ مِنِّي ... كما أخَذَ السِّرَارُ مِنَ الهِلالِ
فذكر مرّ السنين، ثم رجع إلى الخبر عن السنين. وكما قال العجاج:
طُولُ اللّيالي أسْرَعَتْ فِي نَقْضِي ... طَوَيْنَ طُولي وَطَوَيْنَ عَرْضِي
وقد بينت العلة التي من أجلها قيل ذلك كذلك فيما مضى قبل.
وبنحو الذي قلنا في ذلك من التأويل، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {وكُنْتُمْ على شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأنْقَذَكُمْ مِنْها كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ} كان هذا الحيّ من العرب أذلّ الناس ذلاً، وأشقاه عيشا، وأبينه ضلالة، وأعراه جلودا، وأجوعه بطونا، مكعومين على رأس حجر بين الأسدين: فارس، والروم، لا والله ما في بلادهم يومئذ من شيء يحسدون عليه، من عاش منهم عاش شقيا ومن مات رُدّي في النار، يؤكلون ولا يأكلون، والله ما نعلم قبيلاً يومئذٍ من حاضر الأرض، كانوا فيها أصغر حظا، وأدقّ فيها شأنا منهم، حتى جاء الله عزّ وجلّ بالإسلام، فورّثكم به الكتاب، وأحلّ لكم به دار الجهاد، ووضع لكم به من الرزق، وجعلكم به ملوكا على رقاب الناس، وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم، فاشكروا نعمه، فإن ربكم منعم يحبّ الشاكرين، وإن أهل الشكر في مزيد الله، فتعالى ربنا وتبارك.
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، قوله: {وكُنْتُمْ على شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ} يقول: كنتم على الكفر بالله، {فَأنْقَذَكُمْ مِنْها} من ذلك، وهداكم إلى الإسلام.