وصور عبد الله بن مسعود – رضي الله تعالى عنه – حال المؤمن مع ما يفلت منه من الذنوب بمثال يخلع القلوب، فقال: إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه، فقال به هكذا، قال الحافظ في الفتح: قال ابن أبي جمرة – رحمة الله عليهم أجمعين –: السبب في ذلك أن قلب المؤمن منور، فإذا رأى من نفسه ما يخالف ما ينور به قلبه عظم الأمر عليه، والحكمة في التمثيل بالجبل أن غيره من المهلكات قد يحصل التسبب إلى النجاة منه، بخلاف الجبل إذا سقط على الشخص لا ينجو منه عادة، وحاصله: أن المؤمن يغلب عليه الخوف لقوة ما عنده من الإيمان، فلا يأمن من العقوبة بسببها، وهذا شأن المسلم أنه دائم الخوف والمراقبة يستصغر عمله الصالح، ويخشى من صغير عمله السيئ، وأما الفاجر فهو مظلم القلب فوقوع الذنب منه خفيف عنده، ولهذا تجد من يقع في المعصية إذا وعظ يقول: هذا سهل، والحكمة في تشبيه ذنوب الفاجر بالذباب كون الذباب أخف الطير وأحقره وهو مما يعاين ويدفع بأقل الأشياء، وفي ذكر الأنف مبالغة في اعتقاده خفة الذنب عنده، لأن الذباب قلما ينزل على الأنف، وإنما يقصد غالباً العين، وفي إشارته بيده تأكيد للخفة أيضاً لأنه بهذا القدر اليسير يدفع ضرره.