وما ذكره الإمام النووي لا ينبغي التوقف في صوابه، كما لا ينبغي التوقف في بطلان قول إمام الحرمين، فالنص بخلافه، وإذا صادم القياس نصاً فهو فاسد الاعتبار، ومطروح لا يلتفت إليه ومع هذا فهو فاسد أيضاً من حيث النظر، فالمفاسد التي تنتج من تعدد الخلفاء جسيمة وخيمة أفظعها تفريق أوصال الأمة، وتشتيت شملها، هذا إذا لم يجر الأمر إلى التناحر والمنازعات بين الخلفاء، مع أن واقع تعدد الأمراء سينتج عنه الشقاق بلا نزاع، والواقع أكبر دليل على ذلك وصدق الله إذ يقول: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} الأنبياء22 فعند تعدد الخلفاء يصبح بأس الأمة فيما بينها، وتترك الأمة تبليغ دعوة ربها، وتهمل نشرها، مع أن ذلك هو عملها ووظيفتها.
والملاحظ أن تعدد الخلفاء مع دلالته على التفرق والتمزق، والتنافر والتناحر فيما بين أولئك فهو يدل دلالة واضحة على تشتيت أمر كل خليفة من أولئك الخلفاء في خلافته، وما تعدد الحكام إلا لتضعضع أمر الخلافة الأولى، وتشتت شملها، حيث أدى ذلك لانقسامات الداخلية، ولاستبداد الأمراء بحكم ولاياتهم، بحيث كان الخليفة صورة لا حقيقية، ولم يكن له من الخلافة إلا الاسم، مما أدى ذلك في النهاية إلى انفصال أجزاء عن بناء الدولة المسلمة، وانسلاخ بلدان عن جسمها، فالتشتت الداخلي أدى للانسلاخ الخارجي، وبذلك تعلم أن تعدد الخلفاء نذير بكل سوء، لدلالته على تفرق الكلمة، وتشتت الشمل داخلاً وخارجاً، والله المستعان، وعليه التكلان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
أسباب انتشار مذهب الاعتزال أهل الزيع والضلال: