.. قال الإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى –: إن من أخفى آيات الرسل – عليهم صلوات الله وسلامه – آيات هود – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – حتى قال له قومه: "يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ" ومع هذا فبينته من أظهر البينات، وقد أشار الله – جل وعز – إليها بقوله: {إِنِّي أُشْهِدُ اللهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ} هود54-55 فهذا من أعظم الآيات: أن رجلاً واحداً أمة عظيمة بهذا الخطاب، غير جزع ولا فزع، ولا خوار، بل واثق مما قاله، جازم أنه وليه وناصره، وأنه غير مسلطهم عليه – إشهاد مجاهر لهم بالمخالفة –: أنه بريء من دينهم وآلهتهم التي يوالون عليها ويعادون، ويبذلون دماءهم وأموالهم في نصرتها، ثم أكد عليهم ذلك بالاستهانة بهم، واحتقارهم وازدرائهم، وأنهم لو يجتمعون كلهم على كيده وشفاء غيظهم منه ثم يعالجونه ولا يمهلونه، وفي ضمن ذلك: أنهم أضعف وأعجز وأقل من ذلك، وأنكم لو رمتموه لانقلبتم بغيظكم مكبوتين مخذولين، ثم قرر دعوته أحسن تقرير، وبين أن ربه – تبارك وتعالى – وربهم، الذي نواصيهم بيده، هو وليه ووكيله، القائم بنصره وتأييده، وأنه على صراط مستقيم، فلا يخذل من توكل عليه، وآمن به، ولا يشمت أعداءه، ولا يكون معهم عليه، فإن صراطه المستقيم الذي هو عليه – في قوله وفعله – يمنع ذلك ويأباه، وتحت هذا الخطاب: أن من صراطه المستقيم: أن ينتقم ممن خرج عنه وعمل بخلافه، وينزل به بأسه، فإن الصراط المستقيم هو العدل الذي عليه الرب – جل وعلا –، ومنه انتقامه من أهل الشرك والإجرام، ونصره أولياءه ورسله على أعدائهم، وأنه يذهب بهم ويتخلف قوماً غيرهم، ولا يضره ذلك شيئاً، وأنه القائم – سبحانه وتعالى – على كل شيء حفظاً ورعاية، وتدبيراً وإحصاء (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015