والأمر الثاني: يقول الإمام السبكي الكبير (إن ذلك وقع من الله كرامة لهذا العبد وإذا كانت تلك الموافقة كرامة فينبغي أن يكتمها الإنسان خشية السلب، أي أن يسلب تلك الكرامة، فأنت أكرمت بها على وجه الخصوص وقد أكرمك الله بهذا دون أن يشعر بذلك أحد فاكتم ذلك) ، ولذلك قال الإمام ابن حجر:
(قد يكون الإنسان في المسجد مع عشرة أو مائة يصلون ويقومون ليلة القدر فيوفقها واحد منهم ولا يوافقها البقية فيكشف له ويراها، وهم معه ينظرون لكن لا يرون ما يرى، والله على كل شيءٍ قدير) .
إذن خشية السلب، إنها كرامة فلا يخبر بها خشية السلب، وخشية الرياء، ولا يخبر بها خشية الحسد، فيوقع الناس في إثم الحسد لأنه عندما أعلمهم بذلك وما استبان لهم ذلك وهم معه يحسدونه وقد أوقعهم في ذلك ثم بعد ذلك يشتغل، عند ما يراها بإعلام الناس ويغفل عن شكر رب الناس.
ولذلك إذا أطلعه على ليلة القدر، ووافقها فهذا منَّة من الله عليه فليكتم ذلك، والكرامة إذا وقعت على وجه الخفية يسن للإنسان أن يسترها وألا يخبر أحداً من الخلق بها ...
إخوتي الكرام..
ليلة القدر تكون في العشر الأخير من شهر رمضان.
أي الليالي هي؟
لا يعلم ذلك إلا الله، وإذا قام تلك الليلة إنسان من يوافقها؟!
لا يوافقها إلا من أنعم الله عليه ورضي الله عنه.. نعم إن أرجى لياليها، كما قال أئمتنا، ليالي الوتر، وخاصة ليلة السابع والعشرين.
ثبت في مصنف عبد الرزاق والأثر رواه الإمام محمد بن نصر في (قيام الليل) والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم، وأقره عليه الإمام الذهبي، والأثر رواه البيهقي وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين، دَعَوَا الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، فسألهم عن ليلة القدر، قال ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين، فاجتمع رأيهم على أنها في العشر الأخير من شهر رمضان