وقول هذا الإمام المبارك الكريم عليه رحمات رب العالمين، أن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه يريد بالبكاء هنا النياحة وهي التي فيها جزع ورفع صوت وتسخط على المقدور، واعتراض على العزيز الغفور الذي قدر الأمور وخلق الخلق وإليه يؤولون، فإذا حصل هذا النوع من البكاء وصراخ وعويل واعتراض هذا هو الذي يحاسب الإنسان عليه ويعاقب بسببه إذا كان من سنته، وأما مطلق البكاء على الميت فلا حرج على الإنسان فيه على الإطلاق لأن هذا من باب الرحمة التي أودعها الله في قلوب الرحماء من خلقه، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (اشتكى سعد ابن عبادة رضي الله عن الصحابة أجمعين، فاشتد وجعه فذهب النبي عليه الصلوات والسلام إلى عيادته وزيارته وذهب معه سعد بن وقاص وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود وجمع غفير من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، فلما دخل نبينا الأمين عليه صلوات الله وسلامه على سعد بن عبادة وجده وعليه غاشية، والغاشية تحتمل أمرين كما قرر أئمتنا أي غشيه أهله وأحاطوا به لشدة وجعه واشتداد كربه، وغاشية: أي غشى عليه فقد وعيه في تلك الحالة، فقال النبي عليه الصلاة والسلام قضى سعد يعني خرجت روحه وقبض وتوفى، فقالوا لا يا رسول الله عليه الصلوات والسلام، فلما اقترب منه النبي عليه الصلاة والسلام ونظر إليه استعبر وبكى وذرفت عيناه بالدموع عليه صلوات الله وسلامه فبكى الصحابة الكرام أجمعون ببكاء نبينا عليه الصلاة والسلام، فقال نبينا عليه الصلاة والسلام ألا تسمعون، إن الله لا يعذب لا يؤاخذ بدمع العين وبحزن القلب ولكن يعذب بهذا وأشار النبي (إلى لسانه، يعذب بهذا أو يرحم، أي أن البكاء وأن الأعين تزرف الدمع وأن القلب يحزن لفراق الحبيب، هذا لا لوم عليه لا على الباكي ولا على من يبكى عليه، إنما إذا حصل جزع واعتراض على الله جل وعلا وصراخ وعويل بهذا وهو اللسان فالله يعذب أو يرحم