وهذا أدب جليل أدّب عليه هذه الأمة في أول أمرها أنهم يتلقون الأوامر فيفعلونها على حسب استطاعتهم والنواهي فيجتنبونها ثم يتركون بعد ذلك حالهم لنبيهم عليه الصلاة والسلام ليوجّههم حسبما يوحي الله إليه. إذا ما أمرنا به ينبغي أن نفعله حسب وسعنا وما نهينا عنه ينبغي أن نتركه وما تركه نبينا عليه الصلاة والسلام ولم يبين الحكم فيه فالأصل في الأشياء الحلّ والإباحة ذروني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلاف على أنبيائهم وقد نص الله على هذا المعنى في كتابه في سورة المائدة فقال جل وعلا: "يأيها الذين آمنوا لاتسئلوا عن أشياء إن تُبدَ لكم تسؤكم وإن تسئلوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم غفا الله عنها والله غفور حليم. قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين" (المائدة) .
إخوتي الكرام: هذه كما قلت بعض أدلة القرآن وأحاديث نبينا عليه الصلاة والسلام التي تأمرنا بمتابعة النبي عليه الصلاة والسلام في جميع أحوالنا والاحتكام إلى هديه وشريعته في جميع شئوننا فيما نكتسبه وفيما نجتنبه وهذا المسلك السديد الرشيد سار عليه الرعيل الأول وعليه كان عندهم المعوّل يعولون عليه وأفعالهم كلها حسب شريعة نبينا عليه الصلاة والسلام.
انظر لهذا النموذج الرفيع العالي المحكم السديد الذي صدر من ثاني الخلفاء الراشدين سيدنا أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه.