وقد بوَّب الإمام الدارمي عليه رحمة الله في المقدمة من سننه باب يشير به إلى العلم الخشية وتقوى الله عز وجل، ثم نقل عن عدد من أئمتنا الكرام ما يقرر هذا الأمر فمن ذلك ما نقله عن مجاهد بن جبر رحمه الله ورضي عنه أنه قال: (الفقيه من يخاف الله عز وجل) ونقل عن سيد التابعين وإمام المسلمين الحسن البصري عليه وعلى جميع المسلمين رحمات رب العالمين أنه قال: (إنما الفقيه الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة البصير بأمر دينه المقبل على عبادة ربه) {إنما يخشى الله من عباده العلماء} .
اخوتي الكرام: هذا هو نعت عباد الله الطيبين المقربين، هذا هو نعت من يعمرون بيوت مالك يوم الدين في هذه الحياة {يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} .
اخوتي الكرام: وقد وعدت أن نتكلم على هذه الصفة الرابعة ضمن أمرين اثنين ضمن بيان صفة الخوف وضمن لباب الأمر الثاني المتعلق بيوم القيامة وما يكون فيه، أما صفة الخوف فكما تقدم معنا سنتدارسها ضمن أربعة أمور أيضاً في تعريف الخوف وفي منزلة الخوف في شريعة الله جل وعلا، والأمر الثالث في ثمرة الخوف، والأمر الرابع في أسباب خوف المكلفين من رب العالمين، وقد مضى الكلام على الأمر الأول والثاني، وكنا نتدارس الأمر الثالث المتعلق بمباحث الخوف في ثمرات الخوف، وقد قررت اخوتي الكرام أن الخوف له ثمرات طيبة في العاجل والآجل في الدنيا والآخرة، فالذين يخافون رب العالمين لهم العز والتمكين في هذه الحياة وسيكون الله معهم في جميع الأوقات وسيتولى أمرهم وسيخذل أعداءهم وهو على كل شيءٍ قدير.
نعم إن من خاف الله خوف الله منه كل شيء، وإن من لم يخف من الله عز وجل خاف من كل شيء، وقد قررت هذا اخوتي الكرام فيما مضى وأزيده شيء من الإيضاح في أول هذه الموعظة لأنتقل إلى ثمرات الخوف بعد ذلك في الآجل والآخرة.