تأمل ذلك يا عبد الله حق التأمل، واعلم أن جميع الخلائق لو اجتمعوا على إعادة المولود إلى المكان الذي خرج منه لعجزوا، كما أنهم لو اجتمعوا على تكوينك ورعايتك في بطن أمك وقد أحاطت بك الظلمات لعجزوا وفشلوا وخسروا، فلا متصرف في ذلك، ولا متعهد لما هنالك إلا الرب المالك، قال الله – جل شأنه –: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} النجم32، قال – جل جلاله –: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} (?) .

وفي تلك الظلمات ركب رب الأرض والسموات العظام ببعضها، وكساها لحماً، وجعل فيها العروق والعصب، وفتح مجاري البول والغائط، وفتح العيون والآذان، وفرق الأصابع وشد رؤوسها بالأظافر إلى غير ذلك من غرائب صنعه، وعجائبه، وكل هذا في تلك الظلمات.

لا إله إلا الله، وسبحان الله كيف كانت تلك النطفة وإلام صارت، يقول ربي – جل ثناؤه –: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} المؤمنون 12-14.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015