والمعنى الثاني للآية الكريمة {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} ما أمرها من أولها لآخرها، وما حال من يركن إليها إلا لعبٌ ولهوٌ، كحال لاعبين عندما يلعبون هم يلعبون فسيزولون ولعبهم، لا قيمة له، ولا وزن، ولا اعتبار {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلْذِينَ يَتْقُونَ أفَلا تَعْقِلُونَ} قال أئمتنا المفسرون: في ذلك إشارة إلى أن أمور التقوى في هذه الحياة ليست من الدنيا {وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلْذِينَ َيَتْقُون} اتقوا الله في هذه الحياة؛ فعظموه وأطاعوه؛ فهؤلاء ما بِاللَّهْوِ ولا باللعب.
إخوتي الكرام:
وإذا قرن الله بين اللعب وبين اللهو في كتابه، فيفترقان من حيث المعنى افتراقاً لطيفاً، مع أن كل منهما يدل على أن صاحب اللعب وصاحب اللهو اشتغلا بالباطل، لكن بينهما مفارقةً عندما يقترنان؛ إذا قرن اللعب باللهو، فمراد من اللعب أن الإنسان يشتغل بالباطل، وقد يفعل الحق، وقد لا يفعله، قد يقوم بالواجب، وقد لا يقوم به، وأما إذا ذكر اللهو بعده، دل على أنه اشتغل بالباطل مع إعراضه عن الحق وعدم المبالاة به، وأما اللعب فقط، فقد يلعب الإنسان ويشتغل بالباطل، ثم يقوم بالواجبات وبالحقوق، ويقوم بشيءٍ منها، ولا يلزم من ذلك أن يعرض عنها، أما اللهو فقد لهى قلبه عنه، وأعرض قلبه عن هذا الحق، بحيث اشتغل بالباطل مع نفرةٍ من الحق وكراهيةً له، وهكذا حال الحياة الدنيا