فالقسم الأول الخارجون عن طاعة السلطان فنهى عن نفس الخروج عن الطاعة والجماعة وبين أنه إن مات ولا طاعة عليه لإمام مات ميتة جاهلية فإن أهل الجاهلية من العرب ونحوهم لم يكونوا يطيعون أميرا عاما على ما هو معروف من سيرتهم ثم ذكر الذي يقاتل تعصبا لقومه أو أهل بلده ونحو ذلك وسمى الراية عمياء لأنه الأمر الأعمى الذي لا يدري وجهه فكذلك قتال العصبية يكون عن غير علم بجواز قتال هذا وجعل قتلة المقتول قتلة جاهلية سواء غضب بقلبه أو دعا بلسانه أو ضرب بيده.
وقد فسر ذلك فيما رواه مسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأتين على الناس زمان لا يدري القاتل في أي شيء قتل ولا يدري المقتول على أي شيء قتل فقيل كيف يكون ذلك قال الهرج القاتل والمقتول في النار.
مجموع الفتاوى ج: 3 ص: 245
ومما يجب أن يعلم أن الذي يريد أن ينكر على الناس ليس له أن ينكر إلا بحجة وبيان إذ ليس لأحد أن يلزم أحدا بشيء ولا يحظر على أحد شيئا بلا حجة خاصة إلا رسول الله المبلغ عن الله الذي أوجب على الخلق طاعته فيما أدركته عقولهم وما لم تدركه وخبره مصدق فيما علمناه وما لم نعلمه وأما غيره إذا قال هذا صواب أو خطأ فإن لم يبين ذلك بما يجب به اتباعه فأول درجات الإنكار أن يكون المنكر عالما بما ينكره وما يقدر الناس عليه فليس لأحد من خلق الله كائنا من كان أن يبطل قولا أو يحرم فعلا إلا بسلطان الحجة وإلا كان ممن قال الله فيه: "الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه وقال فيه الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار".