إما أن تكون من باب الضدية أو الأولوية أو من باب النفى فى مدارج السالكين فى المكان الذى أشرت إليه فى الجزء الأول صفحة سبع وعشرين وأربعمائة فإذا كان من باب الضدية ما تقدم معنا فأنت فقير يقابل هذه ويضاده غنى الرب الجليل {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد} أنت جاهل والله عالم أنت عاجز ضعيف والله جل وعلا قوى قدير إذن بالضدية إذن صفات النقص يقابلها صفات الكمال فى الله جل وعلا من عرف نفسه بأنه فقير ضعيف عاجز سيموت عرف الله بضد ذلك.

والمعنى الثانى: لهذه الجملة المباركة يقول معناها بالأولوية من عرف نفسه عرف ربه أى إذا كنت ترى أنك قابل لصفات الكمال وتتصف بالعلم والرحمة والحكمة والقدرة والغنى على حسب ما يناسبك وما يليق بك فالله أولى بالاتصاف بهذه الأمور منك على حسب ما يناسبه ويليق به سبحانه وتعالى فإذا كان العلم كمالا فيك فالله جل وعلا يتصف بهذه الصفة من باب أولى وله المثل الأعلى فى السماوات

والأرض سبحانه وتعالى وإذا كان الغنى كمالا فيك فالغنى فى الله جل وعلا كمال ويتصف به من باب أولى وهكذا القوة من باب الأولوية ما ثبت لك من كمال فالخالق أولى به.

والثالث: أن معنى هذه الجملة محمول على النفى من عرف نفسه عرف ربه أنت لا يمكن أن تعرف نفسك وما فيك من أسرار وعجائب لا يمكن أن تقف عليها والروح التى فيك أنت وأهل الأرض وجميع المخلوقات عاجزة عن إدراك كنهها وحقيقتها {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} فإذا كنت عن معرفة نفسك وعن إدراك نفسك وعن إدراك الأسرار التى فيك عاجز فأنت أعجز وأعجز عن إدراك حقيقة الذات الإلهية وحقيقة صفات رب البرية {ليس كمثله شىء وهو السميع البصير} .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015