.. فأنت يكلمك الله قبلاً وجهاً لوجه في عالم الذر دون واسطة ويقول عبدي ألست بربك فقلت: بلى يا رب وإلهي وسيدي وخالقي، ولا أشرك بك شيئاً، ويقول لك انتبه!! ملائكتي تشهد وأنا أشهد شهدنا عليك بهذا الإقرار فإياك إذا خلقتك في الحياة أن تقول إنا كنا عن هذا غافلين، وإياك أن تقلد آباءك في الضلالة، فكل نفس بما كسبت رهينة فأنت عبدي وأنا خالقك وربك أشهدتك وأخذت إقرارك فإياك أن ترجع فإذا رجعت وبال ذلك عليك، ومع ذلك لن يكون حسابي لك في الآخرة على حسب هذا الميثاق فقط، بل سأجعل معه ميثاقاً آخر وهو الفطرة وسأجعل معه ميثاقاً آخر وحجة أقوى وهي أن أرسل إليك رسلاً تكلف بإتباعهم بعد بلوغك ووجود عقلك وسلامة إحدى حاستيك وأن تبلغك الدعوة، فرفعت الأعذار عنك؟ فلم يبق لك عذر ولا شبهة، ولذلك يقول الكفار (لو كنا نسمع أو نعقل) لأنهم حقيقة لا يسمعون ولا يعقلون، وينطبق عليهم قوله تعالى (ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع) وقوله (ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل) وينطبق عليهم قوله تعالى (أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً) وقوله تعالى (كمثل الحمار يحمل أسفاراً) وقوله تعالى (كأنهم خشب مسندة) ، وكذلك قوله (كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث) .
... إذن كان لهم سمع وكانت لهم قلوب وما أرادوا بهذا أنهم كانوا في حكم المجانين ليس لهم قلوب وليس لهم أسماع، لا، إنما لا يسمعون آيات الله كما قال جل وعلا عن الكفار (وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه) فلا يسمعونها سماع تلذذ أو تدبر، ولا سماع قبول لأجل العمل، لا هذا ولا ذاك، بل إعراض من جميع الجهات.