.. لكن تطيش عقول الصديقين نحو السابقة التي قدرها رب العالمين والسابق مجهول، ولذلك ينبغي عليك أن لا تسترسل في الفساد وتقول هذا قدر علي لا ينبغي هذا منك فإذا كنت كيساً عاقلاً فإنك تأخذ الأهبة والحذر وتخاف ومن خاف هرب من سخط الله إلى رضوانه ولجأ إليه بالدعاء والتضرع وأن يحسن خاتمته، فمن خاف هرب ومن رجا طلب وإذا رجوت ولم تطلب فأنت متمنٍ أحمق، وإذا خفت ولم تهرب فأنت كذاب أحمق، ولذلك كان الصالحون يقولون: عجبنا للجنة نام طالبها وعجبنا للنار نام هاربها.
لكن ضربت الغفلة على قلوبنا ونسأل الله أن يحسن خاتمتنا إخوتي الكرام ... الإنسان إذا أراد أن يحصل شيئاً تراه يطلبه ويسعى وراءه فمن أراد بناء بيت لم يجلس بل سعى في تحصيل مواده وأمواله وما شكل كل هذا وكذا من يريد الزواج، فكيف ينبغي أن يكون حال طالب الجنة؟ لابد من السعي إليها والهرب من النار.
... ولذلك قال الله عن أهل الجنة (إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم) (كانوا قليلاً من الليل يهجعون) فإذن ينبغي الخوف مما سبق، التقدير والخوف يدعوان إلى الابتعاد عن سخط الله وملازمة طاعة الله.
ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء بهذه الجملة المباركة [يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك] ثبت ذلك في سنن الترمذي وابن ماجه ومستدرك الحاكم، والحديث رواه ابن أبي عاصم في السنة، والآجري في الشريعة وسنده صحيح كالشمس عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [كان يكثر أن يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، فقلنا: يا رسول الله آمنا بك وصدقناك فهل تخاف علينا فقال: إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبهما كيف يشاء] .