إذن لابد من أن تكون النتيجة والمسببات محمودة، فهذا الذي يقدره الله جل وعلا أما أن تكون المسببات مكروهة مذمومة فهذه مما لا يقدره الله ولا يقضيه مطلقاً.
قال أئمتنا الكرام: المراد نوعان:
النوع الأول: مراد لنفسه محبوب لذاته، وما فيه من الخير مرادٌ إرادة الغايات والمقاصد وهذا الذي سميناه محبوب يوصل إلى محبوب، كخلق النبيين، وتقدير وجود الإيمان والطاعة فهو مقصود، أي خلقه الله لأنه يحبه.
النوع الثاني: مرادٌ لغيره – لا لنفسه – مكروه من حيثُ نفسِه وذاته، مرادٌ من حيث إيصاله إلى المراد المحبوب لنفسه، فاجتمع في هذا المراد حب الله وإرادته وبغضه وكراهيته، ولا منافاة بينهما لاختلاف متعلقهما، وهذا الذي سميناه مكروهاً يوصل إلى محبوب، فهو مكروه بالنظر إلي نفسه، وهو محبوب بالنظر إلى نتيجته، فاختلف متعلق الكُره ومتعلق الحب، إن قيل: هل لهذا مثال بيناً في الحسيات؟ نقول: الأمثلة كثيرة، فمثلاً: الدواء – ونسأل الله أن يعافينا من كل داء وبلاء – الدواء المر هذا مراد لغيره مكروه لنفسه لأن مثل هذا الدواء تنزعج بشربه لمرارته ولما يسببه لك من ضيق فهذا شيء مكروه ولذلك تراه لا يشربه إلا عند الحاجة، فتشربه لأنك تعلم أنه يوصل إلى محبوب وهو الشفاء فأنت لم ترده لنفسه بل لما يوصل إليه فاجتمع الأمران حب وبغض، إرادة وكراهية لاختلاف متعلقهما فمتعلق الحب غاية الدواء ونتيجة ولتعلق الكراهية للدواء نفسه وهكذا قدر الله فيما يبغضه ويكرهه ويوصل إلى محبوب.
... وقد قرر أئمتنا الكرام حِكماً كثيرة في تقدير الله وإرادته لما يشاؤه مما يكرهه ويبغضه، ولنأخذ مثالاً على ذلك في نوع من أنواع الشرور المكروهة ما يترتب عنها من خصال محمودة محبوبة، هذا الشر هو رأس الشر ومنبعه هو: الخسيس إبليس فهل في خلق هذا المخلوق مصلحة ومحمدة وهل يترتب على خلقه حُسن ومصالح؟