سبب ضلالهم التسوية بين إرادتي الله وجَعْل الإرادتين إرادة واحدة وجعل النوعين نوعاً واحداً لكن اختلف جَعْلهم فبعضهم ألغى الشرعية وبعضهم ألغى الكونية القدرية:
... أما القدرية الجبرية المشركة فهؤلاء ألغوا الإرادة الدينية الشرعية حيث بقولهم الذي ذكرناه كأنهم قالوا: إن لله إرادة واحدة، وكل ما يقع يحبه الله ويرضاه وكل ما نفعله مجبورون عليه ونحن ننفذ به إرادة الله ونحن نطيعه في ذلك.
... أما القدرية المجوسية فهؤلاء ألغوا الإرادة الكونية القدرية حيث بقولهم كأنهم قالوا: ليس لله إلا أمر ونهي (الإرادة الدينية) وهو لم يقدر عليك شيئاً والعبد يفعل أفعاله بدون تقدير رب العالمين لها، فالله يأمر وينهى فقط ولا يعلم ماذا ستفعل ولم يقدر عليك شيئاً، فإذن هم ألغوا بهذا الإرادة الكونية القدرية التي هي كما قلنا مشيئة الله العامة وإرادته النافذة في كل شيء فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فألغوا المشيئة العامة وجحدوها وأنكروها، وقالوا: ليس له إلا مشيئة دينية افعلوا ولا تفعلوا، أقيموا الصلاة ولا تقربوا الزنا، لكن هل ستصلي أو ستزني ليس لله عليك تقدير في ذلك ولا يعلم إنما أنت الذي تقدر لنفسك، وأنت الذي تخلق لنفسك فهو نهاك عن الزنا لكن بإمكانك أن تعارضه وأن تزني فإذن غلبته تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
... وضلال كلٍ من الفرقتين لا يخفى حسب ما تقدم معنا من تقسيم إرادة الله إلى دينية وذكرنا الأدلة عليها وإرادة كونية وذكرنا الأدلة عليها وأهل البدع لما سووا بينهما فجعلوهما واحدة هذا ضلال مبين.
المبحث السادس
يدخل تحته عدة تنبيهات وإيضاحات مهمة:
الإيضاح الأول: هل الإنسان مُسَيّرٌ أو مُخَيّر؟ مختار أم مضطر مريد أم مجبور؟
... كنت ذكرت هذا لكم سابقاً في بعض الدروس المتقدمة، وهو أن الإنسان له حالتان: