.. فالمرجئة أصالة أفسدت الشريعة لأنها عطلتها، حيث قالت إذا وحدت فلا تبال ِ بالعمل فعلاً أو تركاً فبدعتهم فيها تعطيل للأحكام، لكن أيضاً عطلت الحقيقة لأن هذا الاعتقاد اعتقاد باطل.
والمعتزلة أصالة أفسدت الحقيقة لأنها عطلتها، حيث قالت: إن الله لم يقدر الشر ويقع السوء في هذه الحياة يغير تقديره أي يفعله العبد جبراً عن الرب فهذا مما يتعلق بالعقيدة.
... لكن إفساد كل فرقة يؤول إلى الأخرى، فالمرجئة أفسدت الشريعة وأفسدت الحقيقة أيضاً لأن اعتقادها اعتقاد باطل، والمعتزلة أصالة أفسدت الحقيقة فهذا اعتقاد باطل ولزم من هذا إفساد الشريعة.
ولذلك يقول الإمام ابن تيمية: "قرن النبي صلى الله عليه وسلم بين المرجئة والقدرية لأن كلا ً منها يفسد الأمر والنهي والوعد والوعيد" فالأمر والنهي يُترك عند المرجئة، ونصوص الوعيد كلها تلغى ولا قيمة لها، وأما المعتزلة فأفسدت الأمر فقالت: من فعل معصية فقد خرج من الإيمان وهو في منزلة بين منزلتين، وألغت نصوص الوعد (نصوص المغفرة والرحمة) بكاملها، وأخذت بنصوص الوعيد فكل منهما ألغى الأمر والنهي والوعد والوعيد، والعلم عند الله.
قبل أن ننتقل لمناقشة الجبرية، من باب التعليق على هذه الفرقة الضالة:
حال هؤلاء المعتزلة ليس كحال مؤسسي المذهب وأولئك كما قلنا انتهت بدعتهم لكن خرج منها بدعة أخرى وليس حال أصحابها كحال أوائل القائلين بمذهب القدر، ولم اختلف الأمر؟ السبب في الاختلاف أن حكام بني أمية – مع ما فيهم من جور- لم تنتشر البدع في حياتهم، ففي عهدهم ظهرت فجوات وسلبيات لكن الحكام لم يتبنوا البدع ودافعوا عنها بل على العكس كانوا ينكلون بالمبتدعة ويوقفونهم عند حدهم.