جـ: بالإضافة إلى ما ذكرناه من أنه رحمه الله لم يصنف هذا الكتاب إنما أملاه إملاءً وكتبه تلامذته وراءه، نضيف هنا فنقول: الإمام الحاكم رحمه الله يجمع ما بلغه وما نُقل له وما حَدَّث به ثم يبقى بعد ذلك دور الغربلة والتنقية: هل هذا الحديث صحيح أم لا؟ يحتاج لنظر ولو صح هل وجد ما يعارضه أم لا؟ فإذا وجد ما يعارضه هل هذا أقوى أم ذلك حتى نعمل بينهما ترجيحاً؟ فشتان بين جمع الأحاديث فقط وبين جمعها للاستدلال بها. ففي الحالة الأولي (الجمع) يجمع فقط، وفي الثانية (الاستدلال) يختار ويمحص.
... وقد قلت مرة لأحد شيوخنا الشيخ مصطفى الحبيب الطير في مصر، وهو من المشايخ الصالحين الطيبين قلت له: موضوع أئمة الإسلام المتقدمين كأمثال ابن جرير (ت: 310هـ) وغيره كأبي نُعيم والخطيب البغدادي ملأوا كتبهم بالأحاديث الضعيفة، بل في بعضها موضوع أيضاً، فهذا العمل منهم يحيرني وهم الجهابذة وعلماء السنة والرجال والتاريخ.
فقال لي: يا بني، إن عصرهم كان عصر جمع فقط، وهذا من أمانتهم وتقاهم وخشوعهم لربهم وتحريهم جمعوا ما بلغوا لكن لا تظنوا أنه جمع كجمعنا كحاطب ليل، بل جمع بأدق وأحسن وأتم طرق الجمع معه علامات تدل على قبول الرواية أوردها، وهذه العلامات هي الإسناد، وكأنهم يقولون لنا: هذا الكنز الذي نقلناه إليكم لم نخنكم فيه، بل أعطيناكم علامات تدل على ثبوته أو على رده وهي الإسناد.
ولذلك قال أئمتنا: الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء. وقالوا أيضاً: إذا روى الإنسان حديثاً موضوعاً فلا يبرأ من عهدته ولا يخرج من إثم روايته إلا بأحد أمرين:
أ) إما أن يرويه بالسند، فمن أسند لك فقد حملك.
ب) وإما أن يبين أنه موضوع.
وإذا لم يفعل أحد هذين الأمرين فهو آثم، وهو أحد الكاذبَيْن على رسول الله صلى الله عليه وسلم [من كذب علي....] وهو هنا الذي نشر الكذب، لا الذي أنشأه وصاغه.